IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم الأحد في 04/11/2018

بين عتمة كهربائية وتعتيم حكومي، تدخل البلاد مرحلة الظلام وتستجر معها طاقة بديلة محملة بصواعق من الشحنات المذهبية. فبينما كان المؤلفون الحكوميون يبحثون عن فول للمكيول، اصطدموا بفقدان الفيول وبعدم تأمين اعتمادات لازمة لتفريغ الحمولة.

والمعنيون أنفسهم تمكنوا في الوقت عينه، من إفراغ كامل حمولات غضبهم في حق بعضهم بعضا. إستولد الوزراء القدرة على الشحن السياسي، ورصدوا مواقف تسببت بمزيد من الإستعار، غير أن أحدا غير مستعد لإنتاج طاقة من الحلول، سواء على صعيد التأليف أم على ضفة تأمين الكهرباء. والمستغرب أن العاجزين عن الإمداد الكهربائي لكل لبنان ولو عبر البواخر، هم الذين سينزعون عن مدينة زحلة نورها المتفرد بالضوء بين مدن العتمة، فيهددونها بالعودة إلى العصر الحجري في نهاية هذا العام.

وأزمة الظلام الآتية منتصف الأسبوع، ستواكب ليل التأليف الحالك المستقرة تعقيداته عند رفض تمثيل النواب السنة من خارج تيار “المستقبل”، وذلك وسط هجوم بدا منظما سياسيا ودينيا، وحالات “تنمر” تستهدف النواب المعنيين. أخرجوا نواب السنة من بطانتهم المذهبية والسياسية، وارتفعت صور الرئيس الحريري في شوارع شمالية وبقاعية لشد العصب المذهبي. وجرى تصوير النواب طالبي التوزير على أنهم من الفئات الضالة، وربما جعلوهم غدا من “الكفرة”، علما أن هؤلاء ولدوا من رحم قانون نسبي وشقوا دربهم النيابية بمعركة مشرفة.

وهم كذلك خاضوا مع رئيس الجمهورية معركة استعادة الحريري من أسره في السعودية، والتي تختتم عامها الأول اليوم. لم يرتضوا بالمهانة، فيما كان بعض نواب ووزراء “المستقبل” يتوزعون بين ساكت عن الحق وشيطان أخرس، ومؤيد لمبايعة بهاء، وراصد لشبكة تجسس سوف تغتال الحريري. وباستثناء دور بهية الحريري ونجلها نادر وكلام نهاد المشنوق عن رفض نظام البيعة، فإن البقية الزرقاء كادت تسدل الستار على احتجاز الحريري، وتستلم الاستقالة مكتوبة بخط قحطاني نافر.

حينذاك أطبقت الأنفاس، ولم يسمع أي صوت يطالب برئيس الحكومة، وبينهم رؤساء حكومات سابقين ينتفضون كلما انجرح شعورهم القومي وانزعج خاطرهم على موقع رئاسة الحكومة وصلاحياتها، واليوم نسمع عن سنة مستقلين، وهم لم يراودهم الاستقلال لدى خطف رئيس حكومتهم، ولا يمانعون في كيل المديح للخاطف ببيانات صدرت للتو وفي الأيام الماضية.

وحتى المشايخ ودور الإفتاء فإنها أفتت بجواز الصمت المريب، ليطل علينا فؤاد المخزومي مصنفا نيابته بين السنة المستقلين الثلاثة: نجيب ميقاتي وأسامة سعد وسعادته شخصيا. لكن نائب صيدا سبق وأعلن أنه غير مذهبي، وتاريخ أسامة سعد يشهد أنه الأقرب إلى المقاومة وعلى خط نار مع “حزب الله” والرئيس نبيه بري. أما المستقل النجيب فيلعب بالعقدة السنية “من تحت لتحت” وبصمت لا يتقنه إلا من يحرك الجمرات عن بعد.

مستقلون عمن؟، عن الشارع المذهبي؟، لكن من يحرك هذا الشارع؟، من يؤلب النقابات والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي؟. فمن يسعى لاتهام نواب سنة المعارضة بالولاء ل”حزب الله”، إنما يتقصد الكسب الشعبي والمذهبي لأن الحرب ضد “حزب الله” “بتربح” وتحصد جمهورا.

وربما عبارة “حذار” لا تكفي، لأن العتمة السياسية ستغلب ظلام التيار الكهربائي وتكون أشد وقعا، إذا ما تمادى أفرقاء التأليف بتسعير الحرب الطائفية، وتلك مسؤولية لا يتحملها إلا الرئيس المكلف الذي بات عليه قبل إتمام التشكلية الحكومية أن يجنب البلاد التفرقة المذهبية، وألا يقف في موقع المتفرج المصفق لانتصاره على نواب جاؤوا بموجب قانون أقرته حكومته.