يكللها الحزن على اغتيال العدالة، مرت الذكرى الثالثة لجريمة الرابع من آب التي لفت عامها بالسواد، وتقبلت العزاء بغياب الحقائق واقتصرت المناسبة على إحياء لحظات الألم في مكان عصفه، فبيروت في الرابع من آب ظهرت على صورة الأسى الذي لم يفارق قلوب أهالي الضحايا وحسرتهم على دفن التحقيق في العنبر السياسي القضائي المشترك، وبيروت مدينة التشريع ورجال العدل ومصدرة الافتاء في الحق بدت معزولة عن استعادة حقها واعادة الروح الى أهل لا يطلبون سوى الافراج عن التحقيق العدلي الذي زج به في المعسكر السياسي. ثلاث سنوات غالبت نفسها وقارعت أحزابا وتيارات ومواقف سياسية وعمليات قبع وقلع وارتيابا بالمشروع وغير المشروع، وكان الكف وراء الكف ينزل على الملف، من بداية القاضي فادي صوان وتحقيقه العدلي في شباط الفين وواحد وعشرين بعد ارتياب من توسيع تحقيقاته واستدعائه رئيس حكومة ووزراء سابقين ونواب حاليين ضرب فادي بحجر صوان سياسي رفيع أرداه معزولا عن الملف بقرار شاركت بصنعه كل الدولة، ولما تسلم القاضي طارق البيطار التحقيق من سلفه المخلوع وقبل أن يسطر قراره الظني هدد القاضي الثاني بالقبع عبر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا وتم تنفيذ الحكم السياسي به في آخر العام الفين وواحد وعشرين، ومنذ ذلك الحين والتحقيقات متوقفة ومعلقة على نزاع لا أفق له، وقد تخللته حروب ودماء وسقوط ضحايا وحادثة الطيونة مثالا، ولليوم فإن لا إرادة سياسية في ختم التحقيق وتقديم المسؤولين عن الجريمة للعدالة لا بل إن من كانوا في السجن على ذمة التحقيق تم الافراج عنهم بلحظة تحد سياسية اتخذها القاضي غسان عويدات، وليس أمام أهالي الضحايا سوى الضغط لاستئناف التحقيق والذي في بريطانيا وحدها وصل الى نهايات وسطر قرارات، حيث صدر الحكم النهائي عن محكمة العدل العليا في لندن بحق شركة “سافارو”، التي فرغت حمولة نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت وكان هذا الإنجاز القضائي الوحيد في الملف، ملزما الشركة بالتعويض للضحايا وذويهم المدعين وحددت مبالغ التعويضات المستحقة لهم، وما خلا القضاء البريطاني فإن الدول الغربية توزع الكلام بالمجان وتبرق مستنكرة ومطالبة بنتائج التحقيق، ويغرينا الرئيس الفرنسي بأبيات من الرومانسية والحنين على أيام قضاها في بيروت. لكن أيا من الدول لم تستجب للطلبات اللبنانية المتكررة في تسليمنا داتا الاقمار الصناعية لما سبق وتلا من حراك جوي في الرابع من آب، وبالامتناع الدولي والارتياب المحلي تدخل الجريمة عامها الرابع بلا وعد في كشف الحقيقة وتحمل تبعاتها وحدهم الأهل يصارعون ويرفعون لواء العودة الى التحقيق ويقارعون شمس آب ويخرجون بحناجر مدوية لا تطلب سوى اعلان المسؤوليات رحمة بأرواح من رحلوا، فمئتان وعشرون ضحية ومئات الجرحى ينتظرون من ينصف رحيلهم أو التسبب في جعلهم بنصف روح، ولأجل هذه الحقيقة تهون الحصانات والحمايات ولتسقط عمليات الارتياب المصطنعة لأن المرتاب الاول هو كل ام فقدت إبنا كان اليوم سيحتفي بنتائج شهادته الثانوية، وكل أخ واخت وحفيد كانت الدنيا بانتظاره في اليوم التالي. هي حرب القضاء على القضاء الذي أصبح محفلا للسياسيين, يصادرونه من جريمة العصر الى جرائم بإسم القصر، وإحدى هذه الجرائم أن القوى السياسية لو انتخبت الدكتور سمير جعجع لما وقع انفجار في مرفأ بيروت أساسا، وهو توقع في مكانه لرئيس حزب القوات لان جعجع يعرف جغرافيا المكان , وله في الحوض الخامس صولات وجولات من الارتكابات التي دفنت مع حقيقتها وخرجت بالعفو العام. والرحمة على شهداء الحرب منذ خمسة واربعين عاما.. وضحايا المرفأ منذ ثلاثة اعوام.