عندما لقبت الدولة بـ”العصفورية” لم نكن ندري أن لها فرعا في “الفنار”، وأن المستشفى الذي اقتحمت “الجديد” أسواره وكشفت كوابيس الرعب في دهاليزه المحرمة، ما هو إلا صورة طبق الأصل عن الحياة خارجه، لكن بمأساة ومعاناة مضاعفة لمن أفقدتهم الحياة نعمة العقل في بلد أصبح فيه فقدان العقل نعمة.
بالجرم المشهود لأبسط حقوق الإنسان، ضبطت “الجديد” الإهمال المزمن بحق المرضى. وما عرضناه قبل أيام ونعرضه اليوم، ليس مشاهد تصويرية لفيلم من أفلام الرعب، بل لمستشفى من المفترض أن يقدم رعاية خاصة لنزلائه ذوي الأوضاع الخاصة، خصوصا أن التقديمات مسبقة الدفع، والفاتورة الصحية مغطاة بدعم مالي ومساعدات وبدل رعاية يدفعها ذوو المرضى، لكنها تصرف لرعاية مالكي المبنى حصرا.
على هذا الواقع المأساوي تحرك وزير الصحة جميل جبق وجعل منه إخبارا في القضاء، لكن الوزير وصل “على نضيف”، ولم يتسن له معاينة رداءة المستشفى، حيث جال على أرضية غسلت ما اقترفه القيمون بحق المقيمين.
إلا أن الطيران فوق “خربة الفنار” وإخراج مأساتها إلى العلن، دونه تساؤلات عمن يريد وضع اليد على هذا الموقع الاستراتيجي بيئيا وسياحيا لخلفيات استثمارية، في ظل معلومات تشير إلى أن مقربين من شخصيات نافذة باتت تمتلك معظم الأراضي المحيطة بالمستشفى من خلال شركات عقارية، والعائق الوحيد أمامها هو مستشفى “الفنار”.
وفي زيارته المكان، أوعز وزير الصحة بإغلاق المستشفى وترحيل نزلائه إلى مستشفيات أخرى، لكنه واجه بصراحة الناس عندما أدلى الأهالي بمخاوف من شراء الأرض، فهل قرار الوزير اليوم سيسهل على المستثمرين مهمتهم؟، وهل تعذر ترميم المصح وتسوية أوضاعه ليصبح مطابقا للمواصفات البشرية؟. جميل كان جواب جبق. لاسيما عندما جزم للأهالي بأن هذه المشاريع لن تمر، قائلا: ليس على عهدي، وبدوام الصحة، في انتظار البحث والتحري.
وإلى أن يقضي “حزب الله” أمرا كان مفعولا، فإن التفتيش المركزي أطلق حملة بحث وتحر عن موظفين جيء بهم من خارج مركز الخدمة المدنية، واستبدلوا بناجحين ومئات المتعاقدين الذين استحقوا درجة التثبيت. “الجديد” حصلت على تقرير التفتيش حول الوزارات التي خالفت قانون سلسلة الرتب والرواتب، والذي ينص على منع التوظيف من دون قرار من مجلس الوزراء. وثبت أن وزارة التربية وحدها وظفت منذ آب عام 2017 حتى بداية هذا العام أكثر من ثلاثة آلاف وثلاثمئة بموجب عقود، وجرى ضم أكثر من أربعمئة موظف إلى هيئة “أوجيرو”، عدا عشرات التوظيفات الأخرى في وزارات الصحة والخارجية والمالية وفي الإدارات العامة والبلديات، وكلها عقود وقعها الوزراء بطريقة مخالفة للقانون كمكرمات انتخابية، وما على السلطة التشريعية ومجلس الشورى إلا إبطال ما هو باطل.