قبل أن يلفظ النهار الرابع دقائقه الباردة والمزنرة بالنار، كانت إسرائيل وحماس قد وافقتا على تمديد الهدنة بوساطة قطرية مصرية وترتيب أميركي مع إسرائيل وبيومين إضافيين من وقف إطلاق النار، سيتم تبادل الأسرى والرهائن وفق شروط الاتفاق السابق، وإطلاق سراح عشرين إسرائيليا مقابل ستين فلسطينيا استنادا الى معادلة كل أسير إسرائيلي بثلاثة معتقلين فلسطنيين.
ولكن العمل السياسي الفاعل هو ما يعمل على تأبيد التمديد وسحب الهدنة الثانية الى وقف دائم لإطلاق النار، لاسيما وأن كلا من الثنائي حماس والجهاد سيدخل مع إسرائيل مرحلة تفاوض شائك، لوضع قوائم التبادل على جنود الاحتياط الاسرائيليين أو الجنود ممن هم في الخدمة الفعلية والضباط وحسبة هذه النخبة ستختلف عن سابقاتها، ليس لناحية الأعداد فقط، إنما لوقوعها على خط زلزالي بالنسبة الى إسرائيل، ولن يكون سهلا عليها غدا أن توقع اتفاق الافراج عن نجوم المعتقلات الاسرائيلية والمحكومين بمؤبدات يتقدمهم: أحمد سعدات وليد دقة مروان برغوتي وحسن سلامة وكل اسم من هذا الصف الفلسطيني سيتسبب بعوارض طوفان جديدة لدى العدو، لما تشكله هذه القيادات من نكسة للاحتلال وبطولة لفلسطين بكامل فصائلها ووفق كل التأكيدات من حماس والجهاد فإن لائحة الشرف هذه ستشملها عمليات التبادل وإن اضطر الامر لتعطيل كامل الاتفاق . ولا شيء لدى اسرائيل لتجاهر بانجازه بعدما كشفت عملية التبادل الثالثة بالامس عن استعراض القوة لحماس في قلب شمال غزة، الذي ادعى العدو انه اصبح يسيطر عليه .
واذا كانت اسرائيل تقرأ من إعلامها وصحفها ومحلليها، فإن هؤلاء كشفوا عن ضعف قياداتهم الامنية والسياسية، وقالت هآرتس إن الجيش الإسرائيلي لا يشعر بحاجة ملحة لاستئناف القتال في قطاع غزة، وإنه يدعم تمديد الهدنة لاصلاح اعطاله، فيما قال محللون في موقع ولاه العبري إن حركة حماس “فقأت عين إسرائيل” بمشهد تسليمها أسرى إلى الصليب الأحمر بمدينة غزة مساء الأحد. وتحت عنوان “إصبع في عين إسرائيل”، قال الموقع إن المشهد الذي بثته كتائب القسام أثار سخط الإسرائيليين، ونسف رواية جيشهم في الأيام الأخيرة بأنه سيطر على مدينة غزة وقضى على مقاتلي الحركة فيها، حيث بدت المنطقة مناقضة تماما لما قاله الجيش، إذ خرج مقاتلو القسام بعتادهم العسكري الكامل، وبدوا مسيطرين تماما على المكان.
وهدنة غزة الممددة وصلت الى لبنان على صورة ايقاظ القرار 1701 وربطه بمفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية ، لذلك تحولت مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان وعلى وجه السرعة الى مهام امنية سياسية على حد سواء ويستعجل الرئيس ايمانويل ماكرون الخطى لكي يكون له “مرقد عنزة رئاسي” في لبنان لأن قطر سبقته الى حلول من غزة نحو بيروت. واذ تنسق الدوحة في الملف المحلي مع كل من ايران واميركا، فإن باريس ستجد نفسها على قارعة الطرق الدولية ما لم تنقذ مبادرتها التي يجمع كل الاطراف على أنها لا تحمل جديدا.
لكن الثنائي ماكرون لودريان التقط المستجد المتعلق بتطبيق القرار 1701 الذي سيشهد على ضغط دولي في الايام المقبلة غير ان هذا الضغط يمكن له أن يبدأ من اسرائيل نفسها التي لم تحترم او تنفذ قرارا دوليا واحدا في النزاع العربي الاسرائيلي وفي احتلال اراض لبنانية، وبينها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ونصف الغجر وازالة الخط الازرق المؤقت لعقدين من الزمن .
وأمام تحريك قرار دولي لجنوب لبنان، والعمل على تهدئة الجبهة جنوبا، وجولة الترسيم البري لاحقا، وتداعيات جبهة غزة، فإن وزير خارجية ايران حسين امير عبد اللهيان والموفد الاميركي اموس هوكستين يتكلمان اللغة نفسها بالفارسية والانكليزية.