كانت الضحية، لكنها لن تكونَ كَبْشَ الفداء. لا الفطرَ عيَّدَت ولا عليها سيمرُّ الأضحى، لكنها ومن فوق رُكامِها رَفعت غزة التكبيرات ووقفت على جبال محاملِها ومن جراحِها النازفة قالت “لبَّيْكَ الَّلهُمَّ لَبَّيْك”. على أرض معركةِ ثالثِ الحَرَمَيْن، طاف مقاوموها في الأنفاق وبعثوا برسائلِ العيد وأَدعِيةِ النصر والتحرير وهم يُكبِّرون أَطلَقوا الصواريخَ على مستوطنات الغلاف. وفي سبتِ إسرائيلَ الأسود، قدَّموا الأضاحيَ لغزة ونيابةً عن أمة الملياري مسلم ، ثمانيةَ جنودِ وضباطٍ قتلى من فوج الهندسة بعملية نوعية استَهدفت آليتَهم فجراً ، فقضَواْ بانفجار العُبُوّات التي كانوا سيهدمون بها المربعاتِ السكنية واحترقوا وهم نيام وجرى إبلاغُ عوائلِهم. ولاحقاً فَرض الاحتلالُ طوقاً نارياً على محيط ناقلة الجند كي لا تستطيعَ المقاومةُ الاستيلاءَ على الجثث ومَنع الإعلامَ من الدخول إلى رفح.
وعلى توقيت الشروق عينِه، كان بياضُ الحجيج يكسو جبلَ الرحمة وعلى عَرَفَة كان أداءُ رُكْنِ الحج الأعظم في يوم الغفران وقضاءِ الحوائج وفي خطبةِ عرفة حَضرت غزة بالدعاء وقال إمامُ الحَرَمِ المَكِّي : إن الحجَّ مكانٌ للشعيرةِ وليس للشعاراتِ السياسية والحزبية وأدعو لإخواننا في فلسطين الذين تألَّموا من أذى عدوِّهم سَفكاً للدماء وإفساداً في البلاد ومنعاً من ورود ما يَحتاجون إليه. ومن المسجد الأقصى أفتَى إمامُه الشيخ عِكْرَمَة صبري بأن الدعاءَ لفلسطين ليس جريمةً ولا رقابةَ عليه وأدعو الحجاجَ للتضامن مع أهلنا في غزة قبل أن يعلن مغربُ الشمس نهايةَ الموسم إيذاناً بعيد الأضحى غداً.
أدى الحجيجُ فريضةَ الحج وغزة لا تزال تؤدي فرائضَ الجهاد الأكبر ضد الشيطانِ الأكبر وقد تعرض للرَّجم من داخل بيتِه السياسي والعسكري. وعن سابق تجرِبةِ في الفشل قال رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود باراك إن الحرب ضد حماس فاشلة ويجب شلُّ الدولة وحشدُ مليون متظاهر وخمسين ألفَ معتصمٍ أمام الكنيست حتى إسقاطِ حكومة نتنياهو والتوصلِ لاتفاقية تعيد الأسرى. ورأى تامير هيمان الرئيسُ السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال أن صورة إسرائيل كدولة قوية تتراجع وتواجِه خطرَ العزلة، وإذا نَشِبت حربٌ شاملة في الشمال فلن تشبهَ أيَّ حدث آخر تعيشُه الجبهة الداخلية. وعلى هذا التوصيف نقلت هيئةُ البث الإسرائيلية عن مصادرَ أمنيةٍ الحاجةَ لصفقة رهائنَ في غزة حتى يوقفَ نصرالله الهجماتِ باتجاه الشمال.
وعلى منع تحول التصعيد في الشمال إلى حرب شاملة يصلُ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الاثنينَ المقبل إلى تل أبيب في محاولة للتوصل إلى تسوية بحسَبِ ما نشر موقع “أكسيوس”، بالتزامن مع وجود وفدٍ أمني إسرائيلي في واشنطن يضمُّ وزيرَ الشؤون الاستراتيجية ومسؤولَ الأمن القومي. وعلى زُحمة الموفدين بعد الأعياد من المتوقع أن يخطف هوكشتاين “رجله” إلى لبنان لرفع مستوى الضغط لوقف الحرب، في حين سيأتي الموفدُ البابوي بمَهمة سلام ومحبة وسيَرفع الصلاةَ على نية السلم وانتخاب رئيس. أوروبا أقربُ إلى الفاتيكان من لبنان وأقصرُ الطرق هي من روما إلى البيت الأبيض للضغط على صانع القرارِ الكاثوليكي بوقف الحرب على الجنوب لتنسحبَ تِلقائياً على جبهة الشمال تماماً كما فعل البابا فرنسيس عندما أعلن الصلاةَ لوقف الحرب في سوريا ولبَّت آلافُ الكنائسِ الأميركية النداء وجعل الرئيسَ الأميركي الأسبق باراك أوباما يتراجعُ عن دعوة الكونغرس للتصويت على القيام بعمل عسكري ضد سوريا والتعميمُ الكَنَسي على أتباعِ الكنيسة بوقف الحرب في غزة وحدَهُ الكفيلُ بإنهاء المأساة في فلسطين ولبنان الذي ارتقى اليومَ إلى الدرجة الثانية من الطوباوية بتطويب يوسف بك كرم على طريقِ القداسة بعد إعلان قداسةِ البطريرك إسطفان الدويهي. نالت إهدن برَكةَ القديس فالطوباوي، فهل تكون شفيعةَ الرئيس ؟ .