أبعد من قانون لئيم ونمرود وأخطر من صراع قايين وهابيل يفرز الخطاب الانتخابي مواد عازلة للطوائف .. فلأجل صوت تفضيلي تتم الإطاحة بصوت التعايش الذي جعل هذا البلد رسالة للشرق كرسها الفاتيكان. فلا يكاد نهار انتخابي يخلو من النعيق المذهبي والوعيد للطوائف كل بحسب دائرته. وقد أصبحت المنابر حكرا على فاتحي المدن ومحرريها من المغول والصليبيين والفرس والسلاجقة والتتار ومعهم فيالق من الرومان. ولأجل نهار واحد يتم التلاعب بسنوات العيش المزمن وإهدار دماء التنوع اللبناني الذي يعد ميزة لبنان بين محيطه. وكان للترشيحات أن تشكل صورة عن هذه الفرادة لكن الأداء السياسي أخذ الترشيح الى حيث النق بالطائفية وعصور جاهلية. فالمسيحيون كما هم في كسروان أيضا في الجنوب وصيدا والشوف والبيروتين الاولى والثانية والشعية يمتد وجودهم بين العاصمة وزحلة وكسروان جبيل وبعبدا والسنة يتربعون على حضور من زغرتا الى زحلة وكل له حق الترشح أو التحالف.. كل أغنى الوطن برجالات وتضحيات وصاغ عروبة بيروت.. فكيف للحملات الانتخابية أن تلغي نسيج الناس وتلاحمها واشتداد أواصرها وتضرب حق الجيرة وتهدد بقطع اليد التي تمتد على هذه المنطقة أو تلك؟ كيف للشيعة أن يصبحوا غرباء عن بيروت وهم منشأ العروبة؟.. كيف لنا أن نغرب السنة عن جنوبهم وهم عند حدوده وخطوطه الحمر في شبعا وتلالها فيما جامع بيضون ينتصف الأشرفية برحابة صليب ومن خول لنا أن نقتلع المسيحي من طرابلس وهو أحد بناة هندستها المعمارية؟ أهي حملات انتخابية أم مشاريع حرب مذهبية خارجة عن نطاق عمل هيئة الإشراف؟ فالمذهبيات تحركت على وقع مفتاح في كسروان.. ارتفع له مفتاح آخر في صور.. والخطباء لا يعتبرون أنفسهم أنهم أقاموا خطابا ما لم يضمنوه غرائز ولا يحصلون على علامة تقدير ما لم يعلنوا اصطفافاتهم الطائفية.. كانت الطوائف نعمة، واليوم يحولها الأداء الانتخابي إلى نقمة.