باتت صحة التمثيل من صحة الرئيس، ومرارة الانتخابات تستأصل بمزاولة نبيه بري نشاطه السياسي. فرئيس المجلس المحاط بعناية طبية، تمكن من هزيمة المرارة وحطم البحصة، وأعلن مكتبه عن سلامة معاييره الصحية، فيما اتصل به مطمئنا رئيس الجمهورية ميشال عون، وعاده رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد الجراحة التي قال مستشفى كليمنصو إنها كانت ناجحة.
جراحة وإزالة عبر التنظير تجمد مرحليا التنظير السياسي حول قانون الانتخاب، إلى حين الشفاء الذي يتمناه اللبنانيون عاجلا لحجر الزاوية الانتخابية.
وبعيدا من “الناضور” الطبي، فإن وليد جنبلاط أيضا “بق البحصة”، وأزال عنه مرارة القانون، معلنا بوضوح: الانتخابات في موعدها وفق الستين معدلا، وإلا فلنذهب إلى تطبيق الطائف كاملا أو تدريجيا. و”استحلى” جنبلاط من الطائف مجلس الشيوخ الذي تتمثل فيه جميع الطوائف والمذاهب بالتساوي.
وبحصة جنبلاط سندت خوابي تيمور، فتى الحزب الذي لم يصعد إلى الرئاسة إلى حين تمكن أبيه من تسييج كاسر الموج الانتخابي حول الجبل، والاطمئنان على أي قانون سوف يرسو، وبعدها يعيد النظر في مسألة التوريث. وبذلك يعمل زعيم “التقدمي” على فصل السلطات مع نجله، وتأمين مستقبله السياسي من دون عوائق تواجه دربه، سواء في الداخل الحزبي أم في القضايا السياسية والقضائية الموروثة من زمن “غير بهيج”.
وإذا ما تحدثنا عن فصل للسلطات، فإن أميركا تقدم اليوم أهم تجربة عبر التاريخ. علمت الدول دروسا في الديمقراطية، استنادا إلى دور القضاء وصلاحياته وقدرته على مقارعة رئيس الدولة العظمى. وإذ سخر دونالد ترامب من رأي قاضي سياتل واستئناف قراره، جاءته الضربة الثانية برد الاستئناف وبسرعة قياسية لا تشبه بطء القضاء لدينا في شيء.
ومن دون قياس أو تشبيه، يصبح غازي زعيتر عندنا في جمهورية لبنان العظمى، ذا صلاحيات أرفع وأقوى وأهم من دونالد ترامب. غازي ترامب تفوق على رئيس أميركا وتعداه في قوة تنفيذ القرارات وعدم احترامها، لا بل وعدم تطبيقها والالتفاف عليها. ويكفي أن نذكر واقعة تاريخية واحدة من سوابق وزير الأشغال السابق، لنتأكد أن “وزيرنا أهم من رئيسهم”، فهو تخطى قرارات بالجملة لمجلس شورى الدولة، عبر مناقصة مواقف المطار التي رست على شركة الخرافي، وقارع رئيس الشورى شكري صادر الذي صرخ غير مرة شاكيا تدخل السياسة في القضاء.
قرار شورى الدولة لا ينفذ. هينبعل القذافي يسجن بأمر سياسي، ويحاط بقضاة من ذوي القربى. فيما بهيج أبو حمزة يصارع في معركة إخلاء السبيل، ولا يجرؤ القاضي على بت الطلب لأن جنبلاط له بالمرصاد. وعليه فنحن دولة تفوقت على أميركا، وبات في مقدور غازي زعيتر أن يحكم العالم بعدما تأهل لهذه المهمة من الباب اللبناني العالي.