على أعراضِ السالمونيلا انتَهت عُطلةُ العيد.. لنكتشفَ أنّ البلادَ مصابةٌ بحالاتِ تسممٍ متنقّلةٍ ضربت غيرَ مِنطقة. إلا أنّ الحُمى المرتفعةَ لم تُصِبِ المفاصلَ السياسيةَ إلا بألمٍ في العضَلات وإعياءٍ في الحركة. فلا حَراكَ لمَلءِ فراغٍ رئاسي.. ولا تأهّبَ لسنِّ قانونٍ للانتخابِ قبلَ أن يَضرِبَ تِشرينُ موعداً معَ تمديدٍ ثالثٍ يُمسكُ بيدِ الستين… في المرحلةِ السابقة جُلُّ ما فعلتْه الطبقةُ السياسيةُ كانَ قراراتٍ غيرَ مطابقةٍ للمواصفات.. طُبّقتِ اليومَ في صِحةِ المواطنين أوبئةً وجراثيم. ومعَ مِلفَّ الأوبئةِ المفتوحِ على ما هو أعظم.. طُويت صفحةٌ جديدةٌ مِن الاتجارِ بلحمِ البشرِ الحيِّ معَ توقيفِ أحدِ رؤوسِ غرفِ الموتِ البطيء… وللموتِ وجهٌ آخرُ فاقت همجيتُه كلَّ همجية.. موتٌ لم يُوفّرْ حتّى مَن هَمُّوا بالصلاة.. موتٌ لامس إرهابُه قُبةَ مسجدِ الرسول. وأوقعَ بالأمسِ مئاتِ الضحايا في الكرّادةِ ومثلَهم اليومَ في بلد. حتّى فاض دجلةُ بدلَ المياهِ دماً. ولكنْ مَن أخرجَ الماردَ مِن القُمقم؟ ومَن غذى الوحشَ حتى خرجَ عن سيطرتِه وبدأ يلاحقُه في عُقرِ ديارِه؟ ما عادَ الوحشُ يكتفي بالسكينِ ذبحاً وبالنارِ حرقاً. وبالماءِ المُغلَى إعداماً بل أصبحَ يمتلكُ أسلحةً مِن العيارِ الثقيلِ براً وجواً وهو ما بشّرنا به البنتاغون من أنّ داعش بات يمتلكُ طائراتٍ مسيّرةً بعُبُواتٍ ناسفةٍ وكاميراتِ تجسس. من دونِ أن يُشيرَ بالبنانِ إلى الجهةِ التي زوّدت داعش بأكبرِ مُنتَجٍ إسرائيليّ… الصراعُ الأميركيُّ الإسرائيليُّ الصامت. لم يقابلْه ضجيجٌ حولَ تقريرِ تشيلكوت عن غزوِ العراقِ الذي وإن دانَ توني بلير.. إلا أنه خَرَجَ بصفر جرائم ارتُكبت بحقِّ الآلافِ مِن العراقيينَ قتلاً واعتقالاتٍ وإبادةً جماعيةً للأرواح وسرِقةً موصوفةً للأموال وتدميراً ممنهجاً لحضارةٍ عن بَكرةِ أبيها. وإذا كانت مطالبةُ الجلادِ بإنصافِ الضحية كمَن يستجيرُ منَ الرمضاءِ بالنار. فأين العربُ مِن الأرواحِ التي أزهقت؟ وأينَ الجامعةُ العربية؟ هل من يوقظُها من سُباتِها العميقِ لاستصدارِ بيانِ استنكارٍ إن لم نقلْ لعقدِ قِمةٍ طارئة؟ بل أين الأممُ المتحدةُ والمنظماتُ الدوليةُ مما جرى ويجري؟ وسَطَ هذا السوادِ الأعظمِ ثمةَ بُقعةُ ضوءٍ اتّخذت شكلَ أذانٍ رفعَه.