بعد رفعِ جلسةِ اليومِ الأولِ مِن الاستماعِ الى شهادةِ الزعيم وليد جنبلاط لم يُسجَلْ في قلمِ المحكمةِ أنّ القضاةَ الدَّوليين واللبنانين قد أُصيبوا بأيِّ عوارضَ للدُوارِ السياسيِّ باستنثاءِ ضياعٍ عاناهُ القاضي فرانسوا رو وتغلّب عليه لتاريخِه مِن دونِ ضمانِ عدَمِ تدهورِ صِحتِه في الأيامِ المتبقية. لكنّ المحكمةَ لم تتمكّنْ فِي المقابلِ مِن فصلِ الآارءِ السياسيةِ لجنبلاط عن الوقائعِ المقرونةِ بالإدلة فجنبلاط كان صريحاً إلى حدِّ الخلطِ بينَ التحليلِ والدليل وهو بدأَ شهادتَه مِن لحظةِ تَخلّ قادتْه عامَ سبعةٍ وسبعينَ إلى بيتِ قاتِلِ أبيه دَرءاً للمخاطر.
وعلى مَسافةِ اليومِ الواحدِ جَمعت شهادةُ جنبلاط عهودَ الحكمِ على مدى أكثرَ مِن ثلاثينَ عاما لكنَّ ما ظلّ عالقاً من فسادِ تلك العهود كان الرئيس أميل لحود دونَ سواه الذي أصبح النُقطةَ المشتركةَ بينَ معظمِ الشهاداتِ التي رَصدت مساوىءَ الرجلِ النظيف مِن زمنِ قيادتِه الجيشَ حتى ولايتِه العاديةِ والممدة وجنبلاط كغيرِه من الشهود استَحضر سيرةَ رئيس ما جمعتْه به مودّة لكن هل تقارنُ سيرةُ لحود ببقيةِ المُفسدين في الأرضِ اللبنانية وماذا عن ترويكا الحُكم في عهدِ الرئيس إلياس الهراوي التي عاصرها زعيمُ التقدمي كفاعلٍ وشريكٍ مُضارِب. النائبُ المنتشرةُ نيابتُه على جميعِ العهودِ كان شفّافاً ومِرآةَ نفسِه لكنّه كان يمكنُه أن يُمدّدَ شفّافيّتَه باتجاهِ قولِ كلِّ الحقيقة وأن يُعلنَ أنه كان جُزءًا مِن تركيبةِ نظامٍ أمنيٍّ لبنانيٍّ سوريّ أو أن هذا النظامَ عمِلَ لمصلحتِه عندما كانت تُفصّلُ قوانينُ الانتخابِ على قياسِ ثوبِ زعيمِ الجبل .
جنبلاط أدلى بإفادةٍ للتاريخ ولأنّها كذلك فالمرجو منها هو شموليتُها فعندما يقولُ إنّ العماد حكمت شهابي كان يعترضُ على أَداءِ الرئيس لحود فذلك سيعني حكماً أنّ الاعتراض معممٌ على النظام السوري لأنّ الشهابي هو جزءٌ من أعمدةِ النظام الفاعلة والمقرِّرة ولم يكن يغرّدُ على هواه وليس مسموحاً له بمخالفةِ الأنظمة المرعيةِ الإجراءِ جداً وعندما يجاهرُ جنبلاط بأنه لم يصوّتْ لانتخابِ الرئيس لحود وبأنه عارض التمديدَ له ووقفَ في وجه المدِّ السوريِّ العارم آنذاك فإنّ ضميرَ الشهادة يقتضي منه أن يؤكّدَ أيضاً أنّ أحداً لم يهددْه ولم يأنّبْهُ فكرياً ولا جسدياً على خِيارِه الحر فلماذا اختاروا الانتقام من الحريري الذي كَسر يدَه ومدّد ولم ينتقموا من جنبلاط الذي سلِمت يداه ولم يمدّد وعندما كان زعيمُ الجبل شاهداً على أولِ لقاءٍ بين الحريري وكَنعان وغزالي في دمشق لم يُطرِقْ رئيسُ الحكومة على كَتفِه ولم يَذرِفُ دمعة جنبلاط لم تنقصْه الجُرأة لكنْ غابت عنه القرينة وربما يفعلُ في الأيامِ المقبلة.