دخل لبنان مدار ذكرى التحرير. خمس عشرة سنة على أول نصر لبناني، وعلى الأغلب فهو كان آخر نصر عربي. وإذا كنا عام 2000 بإسرائيل واحدة، فإن العدو اليوم تعاظم شأنه، وأصبح إسرائيليات منتشرة وتتأهب لدخول النادي النووي. فدولة “داعش” الحديثة تنظر أبعد من حدودها، وقد وقعت عينها على نووي مخصب بجذور “القاعدة” من بلد صديق هو باكستان، وذلك عبر منظمات تتعاطى البيع من خارج أطر الدولة.
لكن لا بأس فالرئيس الأميركي ما زال يفكر في إستراتيجية لضرب الإرهاب، مستوحاة من إستراتيجيات وخطط متهالكة استنزفت أموال دول الخليج، وانتهت إلى تمكين “الدولة الإسلامية” من رفع رايتها. و”الدولة” عينها بدأت بتحطيم التاريخ بعد إذلال البشر، وقد أحكمت قبضتها على آثار تدمر وبدأت بتدمير عدد من المجسمات داخل المتحف، ووضعت على القلعة التاريخية عبارة “تدمر تحت سلطان الخلافة”.
هذا السلطان تختار له واشنطن مواقيت حرب في الجغرافيا التي تناسب مصالحها. فتجيز لنفسها التعاون مع إيران لإستعادة السيطرة على مصفاة بيجي في محافظة صلاح الدين العراقية. وسبب تشابك الأيدي العسكرية الأميركية والإيرانية في بيجي، هو اعتبار الولايات المتحدة أن هذا الخط الحيوي سيشكل خطوة متقدمة على درب تحرير الموصل. أي إن واشنطن “تعزم” طهران على تحرير المدينة التي تشكل عنوانا إستراتيجيا لأميركا في مهماتها لتقسيم العراق.
يتحرك الإيرانيون حيث تعلن أميركا فشلها. واليوم بدأ الحشد الشعبي قوافل الحرب المضادة لاستعادة الرمادي. فيما يستمر على المقلب السوري بحدوده اللبنانية، الحشد اللبناني من “حزب الله” بمعاركه الجردية، وقد حقق في الساعات الماضية تقدماعلى تلة صدر البستان الجنوبية، وهي تشرف على ما تبقى من جرود فليطة والجراجير وعلى جزء كبير من جرود عرسال.
وفي ملفات الإرهاب بمفعول رجعي يعود بنا إحدى عشرة سنة إلى الوراء، فإن ملف المدعو أحمد إسماعيل الخطيب، كأنه فتح ليقول: أذكروني، وإن ما نعيشه اليوم من إرهاب يتمدد إلى دول، لم يكن وليد ثورة مفاجئة في سوريا، ولا هو حراك عصائب في العراق، بل كان يعتمل في المجتمع اللبناني أولا، وقد جرى التعامل معه منذ عام 2004 إلى اليوم، بنظرية الاستبعاد وعدم تقدير هذا الموقف الخطر.
إسماعيل الخطيب الذي استخرجت “الجديد” أوراقه من ماضي ما قبل اغتيال الحريري، تكرر اسمه بين شهادة شاهد وشاهد داخل المحكمة الدولية، وكان الادعاء يسأل عن هذا الاسم على نحو لافت، إلى أن نطق به واضحا المستشار الإعلامي هاني حمود. وللخطيب روابط تشعبت من مجموعة مجدل عنجر إلى مجموعة ال 13 التي اعترفت باغتيال الحريري ثم أجبرت على التراجع عن اعترافاتها في لحظة تحقيق محلي، علما ان مكوناتها أسرت بها الى لجنة التحقيق الدولية، فلماذا؟
فهل ستأخذ المحكمة الدولية بالمعطيات المستجدة لتفتح فرضية الاسلاميين في اغتيال الحريري؟ وإذا ما تم التعامل بجدية هذه المرة مع خطورة دور الاسلاميين على الساحة اللبنانية في تلك المرحلة، فأي دور لعبه الاستراليون المسافرون من مطار بيروت بعيد التفجير من دون حقائب؟