طرابلس عادت خَضرا.. بدمِ أحدَ عشَرَ شهيداً من الجيش شيّعتْهم اليومَ كنائسُ ومساجد توزّعتْهمُ المدن دُفنوا قبل أن يَصلَهم دويُّ سقوطِ الإمارةِ وفِرارِ رموزِها فُتحت أسواقُ المدينة “ورَجَعتِ المدارس.. أطفال وشمس وعيد”.. لكنّ التّجرِبةَ تقولُ إنّ الهاربينَ غالباً ما يؤسّسونَ لحُلُمٍ جديدٍ سيَجدُ ليلاً يُطِلُّ منه ذاتَ نهار .
هدَأتِ الفيحاء.. ووُضعت مناطقُ أخرى تحتَ المراقبةِ والدَّهْمِ مِن بْحَنّين إلى المحمّرة والبيرة.. وحلّقت طائراتُ الاستطلاعِ فوقَ جرود عكار والقبيات وأكروم.. فيما لا يَزالُ البحثُ جارياً عن خالد حبلص الشيخِ النائمِ بالثيابِ السُّودِ الذي أشهرَ إرهابَه منذ سطوةِ زميلِه أحمد الأسير.. لكنّ أحداً لم يكتشفْ خَطرَه إلى أن علّى بُنيانَ الإمارة.. ونبأُ سقوطِ الرايةِ تقبّلَه أبو مالك التلي كالتعازي.. بعدما انهزمت مشاريعُ الضمِّ والفَرزِ وربطِ الشَّمالِ بالقلمون.
أما في القراءةِ الشَّمالية فإنّه لا تسوياتِ أُبرمت على طرابلس وعكّار وهَربِ المقاتلين الإرهابيين.. وهو ما نَفاه الرئيس نجيب ميقاتي ووزيرُ الدفاع سمير مقبل.. فيما تخوّف العماد ميشال عون من خلايا نائمة.. وتحدّث النائبُ سليمان فرنجية عن مراهنةِ التكفيريينَ على إقامةِ إمارةٍ في طرابلس وعكّار تمتدُّ إلى حِمصَ والموصل.. لكنّه قال إنّ هذا المشروعَ سيبقى حُلماً وضَرَب الودُّ مِن زغرتا إلى الرياض موطئِ قدَمِ الرئيسِ سعد الحريري عندما قال فرنجية إنّ رِهانَه اليومَ على الوعي والاعتدالِ في مواقفِ الحريري التي تُشبهُ مواقفَ والدِه الشهيدِ في أحداثِ الضنية.
فرنجية قدّم أولَ تبرّعٍ مسيحيٍّ بدمِ التمديد ولم يختبئْ وراءَ المزايدة.. وقالَ أنا سأشاركُ معَ آخرينَ منَ الميسحيين بما يَمنحُ الميثاقيةَ المطلوبة غيرَ أنّ المكاشفةَ عند فرنجية تختلفُ عن موقفِ زعيمِ التيارِ الوطنيِّ الحر.. الذي جال اليومَ على الرئيس نبيه بري وزارَ دارَ الفتوى.. وربما استَحصلَ في المكانينِ على فتوىْ سياسيةٍ يتجنّبُ فيها حرجَ التمديد .
الخطُّ البيانيُّ اصبحَ واضحاً لجهةِ التمديد وهو ينتظرُ تحديدَ موعدِ الجلسةِ التي ستَعقُبُ جلسةَ الانتخابِ يومَ غدٍ وفيها يتكرّرُ المشهدُ الهَزْليّ .. حضورٌ قليل .. تصريحاتٌ كثيرة.. وأسدٌ في معراب يحتكرُ ترشيحَ قُوى الرابعَ عشَرَ مِن آذارَ ويَجلِسُ على شاشاتِ التفلزةِ مؤتِمراً.. منتقِداً التعطيلَ الذي يشكلُ هو إحدى أبرزِ ركائزِه .
أربعَ عشْرةَ جلسةً بأربعَ عشْرةَ تجرِيةَ ترشيح ولم يَقتنعْ سمير جعجع أنّه يسقطُ سقوطَ الإمارةِ في الشَّمال وأنّ عليه الهربَ وتركَ المسرحِ لآخرينَ ليختبروا ترشيحَهم.. والمسوؤلية لا تقعُ عليه فحسْب وإنما على مَن يتمسّكُ به مرشّحاً منذ أولِ الفراغِ الى اليوم.. ويستعملُه للتعطيل.. فالقضيةُ لا تكلّفُ الرئيسَ سعد الحريري سِوى عبارةٍ واحدة: شكراً لمساعيكم لكنّ الحريري راقتْه الفكرةُ ليَضرِبَ بها الخصوم.. فهو الباعثُ على الركودِ الرئاسيّ.. ومسبّبُ الفراغِ ولا أحدَ سواه لأنه يتمسّكُ بمَن لا رجاءَ منه زعيمُ تيارِ المستقبل يريدُ انتخابَ رئيسٍ للجُمهورية ويتمسّكُ بجعجع.. يدعمُ الجيشَ ويُحصّنُ مَن يعتدي عليه وإن لفظياً.. وهي الحالُ معَ منحِه اليومَ غِطاءً سياسياً للنائب خالد الضاهر واستنكارِ كُتلةِ المستقبل التعرّضَ لحَصانةِ منزلِه.. فكيف بحصانتِه النيابية؟