Site icon IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم السبت في 16/7/2016

انقلاب الليل محاه الفجر. والآمال التي رسمتها ساعات المساء المتأخرة، سرعان ما بددتها ساعات الصباح.

محاولة الانقلاب الخامسة التي شهدتها تركيا، لم تكن وليدة اللحظة، فتاريخ البلاد مثقل بالانقلابات، من أيام سلاطين الباب العالي إلى حكم الديكتاتور الحالي. محاولة الانقلاب على أردوغان لم تكن مفاجئة، فهو مذ تسلم مقاليد الحكم نصب نفسه سلطانا على أمجاد إمبراطورية آفلة. فصل الدستور على مقاسه. استغل المناصب التي تولاها للمكاسب. تقمص دور الغستابو، فحارب حتى الصحافة، لاحقها في المحاكم، وزج بحرية الرأي في السجون. وفي ساعة الحشر كشف عن وجهه المراوغ، وخص محطة CNN التركية المعارضة، بأول ظهور علني بالتزامن مع الانقلاب، بعدما كان يهدد بإغلاقها.

صحيح أن محاولة الانقلاب بدأت عند بوابتي البوسفور، لكن أردوغان كان ينتظر على ضفة النهر، وفي جعبته خطة جاهزة أعدها سلفا، لإطاحة كل من يراه عائقا أمام إمساكه الكلي بمفاصل الجمهورية، لإحكام السيطرة على الأمن والقضاء، بعدما سيطر على مجلسي النواب والوزراء. وهو ما يفسر حملة الاعتقالات الواسعة التي شنها في الساعات الماضية. فإضافة إلى لائحة من ألف ضابط أعدها لإطاحتهم، أمر باعتقال ألفين وثمانمئة وتسعة وثلاثين عسكريا، وعزل ألفين وسبعمئة وخمسة وأربعين قاضيا، إضافة إلى كف يد عشرات القضاة من المحكمة العليا، فما شأن القضاء في انقلاب العسكر؟.

كان أردوغان في سباق مع الوقت لتنفيذ مخططه، فأمر الجيش بدخول سوريا، رفض الجيش أحبط حركته وكبل خطته، فحث الخطى للارتماء في الحضن الإسرائيلي. وفي محاولة لامتصاص المعارضة من جهة والنقمة الأميركية من جهة أخرى، أصدر مواقف ثبت أنها لم تكن سوى فقاقيع سياسية، من محاباته لبقاء الأسد، فاعتذاره إلى روسيا، إلى الإيعاز لرئيس وزرائه بتفجير قنبلة صوتية عبر المطالبة بعلاقات طبيعية مع سوريا والعراق.

الانقلاب العسكري الفاشل، استغله أردوغان لتحقيق انقلابه الناعم، بلا عناء ومن دون أن يرتدي قفازات. ومن مفاعيله أن رجب ستطيب له الإقامة في الحضن الإسرائيلي، وسيبتعد أكثر فأكثر عن الأميركي. وفي الحرب الصامتة بين الأميركيين والإسرائيليين، أصبح أردوغان كلاعب النرد، رمى حجارته على رقعة البيت الأبيض وسارع إلى اتهام فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة منذ سبعة عشر عاما، بالوقوف وراء الانقلاب. وهو في اتهامه إنما يوجه الأصابع إلى واشنطن، مهددا بلسان رئيس مجلس وزرائه بما حرفيته: إن أي دولة تقف إلى جانب غولن لن تكون صديقة وسنعتبرها معادية وفي حال حرب معها وأول الغيث قطع الكهرباء عن قاعدة أنجرليك العسكرية قبل إعلان إغلاقها.

أحبط الإنقلاب، ربح أردوغان، وخسرت تركيا الذاهبة إلى التقسيم، والآتي أعظم.