إما سعد أو الحريري أو لا أحد، وعلى طريقه سقط إلى اليوم ثلاث ضحايا مضرجين بترشيحاتهم السياسية، وسمير الخطيب كان الرجل الثالث الذي يعلن نهاية المشوار، بعد المغفور لهما حكوميا محمد الصفدي وبهيج طبارة. لكن مهندس امبراطورية “خطيب وعلمي” قام بهندسة سياسية روحية لعملية الانسحاب، فأجرى تلزيما لدار الفتوى، وقال إن صاحب السماحة هو من داعمي سعد الحريري، وإنه نتيجة اللقاءات والمشاورات والاتصالات مع أبناء الطائفة، جرى التوافق على تسمية الحريري لتأليف الحكومة المقبلة. وبناء على هذه الرغبة، توجه الخطيب من دار الفتوى إلى “بيت الوسط”، لإبلاغ من سماه بأنه أصبح خارج السباق.
أنهى الخطيب أسبوع آلام الحكومة، وكشف بحركته بين زيارة دار الفتوى و”بيت الوسط”، أن أي مرشح من الآن فصاعدا لن تكتب له الحياة الرئاسية، ما لم تحل أوراقه إلى المفتي. وبحسب خريطة طريق السقوط، فإن الحريري نفسه كان على دراية وعلم بهذه النتيجة، ومع ذلك ظل يعاند ويزداد في الغوى والدلال.
أدرك الحريري أن العبارة المرسومة على جدار السرايا، لن يكتب لها الصمود، وأن الحكومة دامت له، ولن تؤول لغيره. وعلى هذا اليقين كان الرجل المستقيل يمشي ملكا. يطرح اسما في سوق المزايدة فيحرق. يعاجله بإسم آخر لا يدوم حتى توافيه المنية السياسية. يغدق على المرشحين معونات ومؤنا، ثم لا يلتزم بتوفيرها. يعدهم بدعم الديار المقدسة، قبل أن تفضحه مراميه وتعلن الديار “فتوى” ترشيح الأصل.
اليوم انتهت لعبة تحطيم المرشحين، وأصبح “سعد الحريري أو لا أحد”. ولن يكون البلد بعد الآن مسرحا لفض عروض جديدة. ثلاثة وخمسون يوما على ثورة أسقطت المحرمات، أكثر من أربعين نهارا على الاستقالة، سقوط ستة شهداء على طريق الثورة، وانهيار ثلاثة مرشحين قبل الوصول إلى بعبدا، فماذا ينتظر الرئيس سعد الحريري بعد، وقد أسدلت الستارة عن فصول مسرحية مدمرة للمال والاقتصاد والسياسة؟.
وإذا كانت دار الفتوى قد رشحت سعدا، فمن سيجرؤ بعد اليوم على أن يطل برأسه على السرايا؟. تلك مسؤولية تقع على الحريري المتدلل الكبير، وتنسحب أيضا على كل أحزاب السلطة ومكوناتها، لأن الجميع يلعبون بأمان الناس الاجتماعي والسياسي، ويرهنون بلدا لشياطين الرغبات الحكومية ومقاعدها.
واختصارا للطرق، فإن رئيس الجمهورية الذي تستعد دوائره بين لحظة وأخرى لإعلان تأجيل الاستشارات، ربما كان عليه الإبقاء على الاستشارات ملزمة في موعدها غدا، وأن يضع الكتل السياسية عند مسوؤلياتها، وما دام الكل “يحلف باسم الحريري” والذي ازداد إيمانا بترشيح دار الفتوى، فليكن الحريري رئيسا ولتنته هذه المهزلة، وعندها فليشكل الحريري حكومة اختصاصيين، ويقدم إلى اللبنانيين نموذجا مختلفا عن الحكومات الحريرية السابقة التي لن يبرئها أحد من الضلوع في الفساد منذ أول التكوين. وحكومة التنكوقراط المستحدثة، قد تعطي للحريري الثاني شهادة حسن سير وسلوك للمستقبل، بدلا عن ماض أليم.
وفي دقائق ما قبل اعلان التأجيل، فإن رئيس الجمهورية سوف يقدم على خطأ آخر، حتى ولو تم تنسيقه باتصالات مع الرؤساء الثلاثة والمعاونين والمستشارين وكل من يدعي الفهم السياسي، والخطأ هو في ارجاء الاستشارات لأنكم تؤجلونها حتى يعود سعد، وغدا سيعود الحريري، وضياع الوقت سيكون من حصة الناس وتعبهم، ومصائر لبنانيين يقفون على حد الخطر.