لا تخافوا، لا تستسلموا للخوف، عبارات غزتها دموع البابا فرنسيس عشية القيامة، وهو افتتح قداس الفصح اليوم بسن قوانين روحية وإنسانية عابرة للقوى العظمى، مقترحا إلغاء الديون على الدول الفقيرة، تضامن أوروبا في وجه كورونا وتخفيف العقوبات الدولية.
نداء قد يكون تحقيقه أصعب من إيجاد لقاح لكورونا، لأن أوروبا بالكاد اتحاد عاجز، وأميركا ستمنع تخفيف العقوبات عن دول محاصرة بالأمراض، والعالم لن يلغي ديونا بل يتطلع إلى رهنها لصناديق دولية.
وليس لبنان في منأى عن عمليات الرهن، والتي ترمز إليها الورقة الإصلاحية الاقتصادية عند كل باب مالي وإصلاحي، وهذا ما أنشأ قوة معارضة كان أبرزها في الساعات الأخيرة محور الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب “التقدمي” وليد جنبلاط، على اعتبار أن الزعيمين آنفي الذكر كانا قد أغرقا اللبنانيين في جنة ضريبية منزوعة الضرائب والرسوم، ولم يخلفا وراءهما ديونا مع بقية الطبقة الحاكمة التي أدارت البلد ثلاثين عاما.
والمسار التصاعدي لكلام “المستقبل”، تحدده خطوات الحكومة لاحقا، إذ رأى الوزير السابق غطاس خوري أن رد الحريري كان محدودا وسيكون له قريبا كلام آخر، وقال: لقد سبق وأعطينا مهلة سماح للحكومة لاتخاذ إجراءات إنقاذية، لكنهم ابتدأوا بالتصويب على مرحلة الثلاثين سنة الماضية، ثم تعرضوا لأسس النظام الاقتصادي الحر عبر تسديد الديون من حسابات المودعين، ما يضعف الثقة بالنظام المصرفي اللبناني.
وإذا كان “المستقبل” أو “الاشتراكي” أو حواجز الرئيس نبيه بري لل”كابيتال كونترول”، ليسوا جميعهم المرجع الصالح لتقديم الفتاوى المالية، طالما أنهم من الذين “خربوها وقعدوا على تلا”، فإن رئيس الحكومة حسان دياب أيضا ليس مخولا فتاوى: إعادة الهيكلة، ودمج المصارف المتعثرة، ووضع المراهم المبلسمة لجراحة ال”هيركات” وتشريع ال”كابيتال كونترول”، لا في ورقة اقتصادية ولا في أوراق للاستعمال الآخر.
ويأتي أيضا من خارج جدول أعمال رئيس الحكومة، تخويف الناس بأن تسعين في المئة من أموال المودعين مضمونة، ما يعني أن هناك عشرة في المئة لاتزال غير مضمونة، ولا يعرف من قصد بها وأي فئات استهدفت. وفي حده الأقصى، فإن دور الحكومة ورئيسها طمأنة كل المودعين أن أموالهم بخير من دون زيادة أو اقتطاع نسب. وعوضا عن طرحه إعادة الهيكلة في المصارف، فإن هناك حلا آخر يقضي بالطلب إلى حاكم المصرف المركزي فرض رفع رأسمال المصارف من جديد، لاسيما أنه سبق للحاكم رياض سلامة أن خاض هذه التجربة مع البنوك في بداية العام، فارضا نسبة عشرين في المئة على الرأسمال ومن يتعثر يدمج. وبقراره آنذاك دخلت البلاد أربعة مليارات دولار.
ومع التعميم الأخير لسلامة، بدأت الأموال “الكاش” تدخل في حسابات خارجية، لكن الحديث اليوم عن ال”هيركات” وال”كابيتال كونترول”، هرب ما تبقى من أمان مالي، وعليه لبنان في غنى عن إجراءات جديدة تقضي على آخر فلس، ويمكنه الاستعاضة عنها بالطلب مجددا من المصارف إعادة رفع رأسمالها عشرين في المئة إضافية، وهذا ما سيؤمن السيولة، عوضا عن طرح حلول ونظريات تستسلم وتسلم البلاد إلى صناديق ومؤسسات دولية.