للمرة الأولى يتجمد عداد كورونا في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، معلنا تصفير الإصابات لليوم، بينما سجلت أربع حالات في كل لبنان.
غير أن التصفير يسري أيضا على مجمل الحالات السياسية والإدارية، وهو سحب معه مستشفى ظل ينتظر خلافات داخلية أحد عشر عاما، إلى أن وجدناه يحتضر، هو مستشفى للحروق والحوادث، وإذ به اليوم يعاني حروقا من الدرجات السياسية بالغة الخطر، وبشهادة طبية من الوزير المؤسس محمد جواد خليفة، فإن الخلاف على المحاصصة هو ما أضرم النيران السياسية في المستشفى، فانسحب الرئيس حسان دياب من زياراتها، وعاين أضرارها رئيس البلدية محمد السعودي، فيما صاحب الدعوة الرئيس فؤاد السنيورة أصيب بجروح متوسطة من دارة بهية الحريري، لأنه عزم ولم يتوكل.
وسقط مستشفى رجب طيب أردوغان في صيدا صريع النزاعات، علما أنه لم يكن الضحية الأولى، فقد سبقه مستشفى في شبعا جاهز مجهز بأحدث المعدات من دولة الإمارات، غير أن السطو على تعيينات مجلس إدراته تسسبب بأن وافته المنية.
هي عينات عن وباء لن يؤسس لدولة، ويلاحق الناس حتى على ألمها. ولعل كلام وزير الصحة حمد حسن أصاب مقتلا، عندما غرد عن لصوص يجاهرون بحماية الضعفاء، فلا تسلم من جبروتهم لا لقمة عيش من خير الغربة، ولا فسحة الرغد بنعمة الصحة في مشفى لن يكون لجشعهم فيه ملاذ، مستخلصا أنه “اللي استحوا ماتوا”.
لكن هناك من لم يستحوا ولم يموتوا، وما زالوا يراهنون على إنتاج سلطة تبقيهم قيد الاسترزاق، وكأن هواء تشرين لم يلفح أيا منهم، أو أن البلاد تعيش زمنا طبيعيا لا أموال فيه منهوبة ولا مسروقة، أو أن ودائع المواطنين ليست سجينة المصارف.
وعلى الرغم من درب الآلام هذه، والمترافقة مع أمراض وجوع، فإن مجلس النواب المنعقد في قصر الأونيسكو يوم الثلاثاء المقبل، يعيش في عالم آخر، كل ما في الأمر أنه بدل في جغرافيته، فأصبح مجلس الأونيسكو، أما المضمون فلا ينسجم والواقع: ستة وستون بندا لا تستدعي حال العجلة والطوارئ والمخاطرة بنواب الشعب للانعقاد ثلاثة أيام متواصلة في قصر المؤتمرات، الذي سيتحول إلى قصر للمؤامرات هذه المرة، فقد سحب رئيس مجلس النواب نبيه بري أكثر البنود أهمية من جدول الأعمال، لا بل لم يدرجها من الأساس خلال اجتماع هيئة مكتب المجلس، فغاب كل ما يتعلق باستعادة الأموال المنهوبة ومحاكمة الرؤساء والوزراء، بعدما شعر وزراء سابقون بعوارض الاصابة بداء الفساد.
اختفت مشاريع المساءلة، ليستعاض عنها بتسلية لنواب الأونيسكو في اقتراحات تراعي النائب فريد البستاني في بضائعه الجمركية، وتقرر في هذا الظرف انشاء محمية على شاطىء العباسية وأخرى في جبل الريحان، وتستعجل استبدال اسم قرية عين القبو في عكار، ولا يهنأ لها بال قبل أن تقر مشروع القانون الوراد بمرسوم يعتزم تنظيم الإنتاج العضوي.
لكن أين المشاريع المتعلقة بالسرية المصرفية، وأين استعادة الأموال المنهوبة؟. ولماذا تغاضى مجلس النواب عن شارع ظل يصرخ منذ السابع عشر من تشرين، يريد محاسبة فاسد واحد؟، وكيف تسمح المعارضة والحكومة معا لرئيس المجلس بالاستنسابية واختيار ما لذ وطاب من مشاريع، و”تعطين” أخرى في الادراج؟.
وفي ظل هذا الوباء التشريعي، صار لزاما على معارضين قدموا مشاريع قوانين ملحة، أن يجمعوا الشمل في قوى سياسية وقعت على مشاريع مماثلة، فمن سرق المال العام لا تنتظروا منه استرجاعه اليوم. وفي المعاينة السياسية، سوف يتضح أن الرئيس نبيه بري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وزعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري، هم الفئة المتضررة من أي مشروع أو اقتراح قانون يرفع سريات ويعيد “مصريات”. ومن هنا فإن الحكومة وبدل التهلي بال”هيركات” ونفيه، مطالبة اليوم بدور يلاقي نوابا معارضين لاسترجاع ما نهب، وهذا أول الغيث.