حسان دياب صلى المفتي معه وسلم، فمنحه العصمة الشرعية صبيحة عيد الفطر السعيد. من سيارة واحدة في الحي الواحد بعائشة بكار، إلى مسجد محمد الأمين وسط بيروت، ترافق الرئيس ومفتي الجمهورية في مراسم تقليدية، أفضت إلى مراسم إضفاء العباءة الشرعية على حكومة أصعب الظروف. وخطبة العيد أمسكت بيد الرئيس عندما قال له المفتي عبد اللطيف دريان: أنت مؤتمن على مصالح الناس، ومسؤول عن قضاياهم وحل أزماتهم، إنهم يعلقون آمالهم عليك، فلا تخيبها، والأمر لا يحتمل التأخير.
وسجل دريان للحكومة أنها تعمل لمكافحة الفساد واستعادة المال المنهوب. وشكر لها ما تقوم به من مجهود لصالح الوطن والشعب، متمنيا لها ولرئيسها التوفيق والنجاح للنهوض بلبنان والخروج به من أزماته المحدقة. وإذ حدد المفتي المسؤوليات في هدم ثروات المواطنين، متهما القوى السياسية والمصرف المركزي والمصارف بأنهم المثلث الحاكم، سأل: لماذا تراكم دين عام بلغ تسعين مليار دولار؟.
وبذكره الرقم الحكيم، ومطالبته محاربة الفساد، كاد المفتي يقول: كلهم مسؤول، وضمنا حكومة سعد الحريري نفسها، وما قبلها من حكومات متعاقبة أوصلتنا إلى رقم التسعين مليارا. فرجل الدين قرأ في آيات الدين، ولم يستثن عهودا ورجالات وضعت تحتها خطوط حمر.
لكن رئيسا من هؤلاء، كان قد اختار بيتا آخر لصلاة العيد، فنزح إلى مسجد الإمام علي في الطريق الجديدة، إلى المنطقة التي كانت رفعت قبل أسبوعين أولى صور تثبت الزعامة في وجه الأخ الشقيق بهاء الحريري. اخترق سعد الجموع التي جاءته مؤيدة في أوسع تحد لوباء كورونا، قبل أن يتوجه الحريري إلى ضريح والده في وسط بيروت، تزامنا ووصول المفتي دريان وعدد من المشايخ.
وفي صبيحة الفطر، مفت آخر “غير دريان” أن خطبته سوف تنجم عنها أضرار سياسية، حيث وجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة إلى اللبنانيين، رجم فيها اتفاق الطائف، وطالت رشقاته كلا من الصيغة اللبنانية والرئيسين رياض الصلح وبشارة الخوري. وثارت ثائرته على البلد، الحصص في السياسة والإدارة والوزارات والرئاسات والمجالس والتنفعيات. ولم يعرف إلى تاريخه، ما إذا كان الرئيس نبيه بري قد تسنت له متابعة هذه الخطبة، التي سوف تجرح شعوره أولا دون سواه.
ومن كلام الفطر والمرجعيات الدينية، من المقرر أن تفتتح أسواق ما بعد الأعياد على الأحرف الأولى من الانضباط في التعامل المالي، ووفقا لخطة سير عمل المصرف المركزي، فإن سعر صرف الدولار سوف يشهد على مرحلة من التهدئة، وأن العلاجات التي يقوم بها المصرف لن تكون من حسابات ودائع المواطنين. وتؤكد المعلومات أن ضخ الدولار في السوق سوف يتأتى من جهات موزعة بين تنظيم العلاقة بموجب المنصة الإلكترونية التي تنطلق بعد الأعياد، وبين دولارات مصدرها تحويلات اللبنانيين والمغتربين في الخارج إلى شركات التحويل المحلية، والتي يستبدلها “المركزي” بالعملة الوطنية على سعر السوق المثبت.
وإلى هذين المصدرين، فإن “المركزي” سيؤمن فتح اعتمادات للتجار الذين يقدمون بدورهم كل الشهادات التي توثق تجارتهم، فيحصلون على الاعتماد بالدولار بدلا من لجوئهم إلى الصيارفة.
ويستند مصرف لبنان في الفترة المقبلة، إلى حركة قضائية لجمت سطوة قطاع الصيرفة، وقلصت دورهم في السوق، بما يعيد تعزيز الثقة بالمصارف لا بتجار المضاربة. لكن المصارف بدورها عليها أن تلتزم تعاميم صادرة عن “المركزي” ولم يتم تنفيذها إلى اليوم، وبينها تلك التي تعطي المؤسسات قروضا بصفر فائدة على خمس سنوات، لتسيير شؤون موظفيها وعدم صرفهم.
وإذا كان المصرف المركزي سوف يبدأ بضبط السوق، وفقا لمهام منوطة به، فإن الدولة أيضا عليها مراقبة عمليات الضبط من خلال الأجهزة الأمنية والقضائية وتوقيف المخالفين. أما ما هو أبعد من “توقيف صراف”، فإن السلطة مطالبة بتوقيف العجز في ميزانيتها، أو على الأقل عدم خداع الناس بصفر عجز، كما كانت الحال في الموازنة الأخيرة التي قدمها الوزير السابق علي حسن خليل.