إن الثورة لم تولد من رحم الألحان، والعبارة التي استلهمها نزار قباني من ست الدنيا، بأحزان حربها وناسها ودمارها، ستبقى مرصعة بصوت ماجدتها. والخلاف على الأداء، لا يفسد للثورة قضية. هي حرب افتراضية واقعية اندلعت شرارتها ليلا عند قناطر نهر الكلب التاريخية، عندما ارتأى المشرفون على حفل موسيقي بمناسبة عيد الجيش تقديم أغنية ست الدنيا يا بيروت، ولما وصل اللحن الى عبارة إن الثورة، تم استبدال “تولد من رحم الأحزان” بنغمات على ذات الوزن من دون تردادها كما وردت في الأغنية التي يحفظها المواطنون منذ ثلاثين عاما ويغيبونها كنشيد.
حذفت الثورة بقرار نفت المؤسسة العسكرية علاقتها به، فيما أعلنت جمعية “لبناني وأفتخر” المنظمة للمهرجان، أنه لم يتم حذف أي مقطع من أغنية “يا بيروت”، بل قامت فرقة كورال بتأديتها بتقنية الصوتين، أي، أن نصف الكورال أنشدها، وقام النصف الآخر باستبدالها بإيقاع صوتي. وأكدت الجمعية أنه لو كان الهدف حذف أي مقطع من الأغنية، لما تم إدراجها أصلا ضمن الريبرتوار الغنائي.
على ان كل الترميم الفني لم يقنع الناشطين الذين اعتبروا ان في هذا التصرف إساءة للثورة وللأغنية التاريخية في آن، لكن على الثورة بدورها أن تقوم من تحت الردم، وأن يقتنع بانوها ومؤسسوها وأصحاب الرأي فيها وناشطوها ان معركتهم اليوم ليست مع نوتا موسيقية وكلام في أغنيات وكورال انشطر قسمين، فقوموا إكراما للغابات والأنهار والوديان والإنسان، كما كتب نزار، إن الثورة ولدت بكم ومعكم ولكم، من رحم أحزان وإنسان مقهور، قاوم الظلم والفساد والسارقين، الذين لم يدخل أي رمز منهم السجن حتى اليوم. اعتقلوا دجاجة فاسدة، وسمكا في بحر، ومازوتا مغشوشا، ودولارا على سواد، ولكن كل أصحاب هذه المصالح، إما هربوا أو احتموا سياسيا، أو انهم ما زالوا قيد العمل.
وحتى في التصريحات السياسية، من رأس الهرم، فان الاتهامات تأتي بتجهيل الفاعل، وتسطير محاضر ضبط للمجهول. فبالأمس عدد رئيس الجمهورية خمسة أنواع من الجرائم، كنا أمام أعداء خمسة، من دون رسم تشبيهي لعدو واحد، من الفساد المستشري في المؤسسات وفي الكثير من النفوس، الى كل من يتلاعب بلقمة عيش المواطنين ليراكم الأرباح، ومن ساهم ويساهم بضرب عملتنا الوطنية ليكدس الأموال، وكل من يطلق الشائعات لنشر اليأس وروح الاستسلام، وأيضا من يجول دول العالم محرضا ضد وطنه وأهله وناسه ومحاولا حجب أي مساعدة عنهم. أما العدو الخامس فكان كورونا، وهو وحده الخصم الذي نعرفه ويعرفنا، فيما البقية جاءت بوجوه مستترة. فساد ومتلاعبون ومنع مساعدات ومنع توقيع تشكيلات، والرئيس لا يكشف اسما واحدا متلاعبا، وهو قد ينتظر ثورة ان تفعل.
وتجنبا للكشف فيبدو ان أقصر طريق هي الاستقالة، واذا صحت المعلومات المتداولة فان وزير الخارجية ناصيف حتي سيتقدم باستقالته غدا من رئيس الحكومة حسان دياب، وسيعلن بعد ذلك الأسباب التي دفعته إلى هذه الخطوة. وبانتظار توضيح من حتي نفسه، فإن الحكومة تعصف بنفسها، فيما تحيط بها أزمات وانسداد أفق داخلي وخارجي.
وعلى الرغم من كل الاستعراضات، فإن أهدأ جبهة هي جبهة الشمال الفلسطيني والجنوب اللبناني، فبعد أيام من التهويل وتسعير الجليل وحشود العسكر ووقوف اسرائيل على إجر ونص، ان العدو اليوم وقف على أربعة أرجل، متخبطا ينتظر الرد. لكن “حزب الله” أبقاه على انتظاره، فلم يتخذ قرارا بالحرب ولا هو أرسى نفسية السلم لدى عدوه، تاركا اليد على الزناد، مانحا الدولة كل الخيارات.