IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم الخميس في 20/08/2020

اليوم تخرج الياس خوري من المدرسة، خمسة عشر يوما تحمل وجعها ابن الخمسة عشر عاما، حاصلا على شهادة عليا بلغت السماء. تلميذ “مدارس يسوع ومريم” زار ملاعبه وصفوفه، وحلق فوقها للمرة الأخيرة مرفوعا على أكف أصحاب الصبا، مشلوعا من قلوب الأهل والرفاق، تاركا ضحكته وديعة على جدران المدرسة. مراسم تشييعه كانت مسيلة للدموع، ساحبة للروح.

وحكاية المرفأ لم تزل تنزف ضحايا ومراسم حداد، آخرهم غسان حصروتي الذي صادق اهراءات القمح عاملا فيها ثمانية وثلاثين عاما، إلى أن ودعه ذووه اليوم في مأتم مهيب.

وعلى هذه الخسارة في الأرواح ودمار الممتلكات، فإن كل ما يرمم في السياسة لن يكون كما قبل الرابع من آب، وذلك مع شقوق مالية بدأت بالترجمة عمليا، فمصرف لبنان وفق وكالة “رويترز” لن يدعم الوقود والقمح والدواء أكثر من ثلاثة أشهر. أما وفقا لوكالات التصنيف الدولي، فإن مؤسسة “فيتش” العالمية، خفضت تصنيف سندات لبنان بالعملات الأجنبية إلى المرتبة ما قبل الأخيرة، وهي مرتبة التعثر المقيد.

وفوق هذه العلامات المتدنية ماليا، فإن مداولات مجلس إدارة صندوق النقد، وتبعا لمعلومات “الجديد”، وصفت لبنان بالدولة الهشة التي قد تتحول إلى دولة فاشلة. وقد أشار رئيس بعثة الصندوق إلى لبنان مارتن سريزولا، إلى غياب الاتفاق اللبناني على الإصلاحات بين المصالح المتنازعة، تلك المصالح لم تعد متنازعة في المال وحسب، بل عادت إلى تنازع وتحاصص وتشريك على القطع السياسية المتناثرة، وعلى توليف الحكومة قبل تأليفها.

وعلى دماء اهراءات بيروت، وفقدان دعم القمح، فإن المطحنة السياسية اشتغلت من غير اعتبار لكل ما سلف وسبق، ولكل الشهداء والجرحى والمنكوبين، وقبل ذلك لكل ثورة السابع عشر من تشرين التي أصبحت مكونا يقوده الشعب. لكن محركات الرئيسين ميشال عون ونبيه بري تجاوزت وجود هذه القوة المقررة، حيث جاءت دعوة رئيس الجمهورية إلى مشاركة كفاءات تمثل صوت الشارع المنتفض في الحكومة الجديدة، كمن يدعو ضيفا إلى وليمة عشاء، فيما أضحت الثورة هي تسونامي الناس الجارف الذي وجب استشارته وإشراكه كتحصيل حاصل، وضمن حكومة مستقلين ومحايدين لا متنكرين بثوب مدني.

لم يعد الحراك حراكا، بل بات وجودا استقر على اسم تشرين، ونبضه غير خاضع لتسوية بتوزير وحصة وتمثيل رمزي، ليتفرغ السياسيون إلى اقتطاع الحصص وتوزيعها على الأحلاف.

والتأليف قبل التكليف معركة تدور رحاها حاليا، من الإليزيه إلى المقار اللبنانية. وعلم أن الرئيس ايمانويل ماكرون أجرى اتصالات بمرجعيات سياسية في لبنان، حيث تقصى الحقائق من التوافق على ترشيح اسم الرئيس سعد الحريري، لكن ماكرون أبلغ أن “القوات” و”الاشتراكي” و”التيار” يعارضون عودة الحريري، ما سوف يعني أن الإجماع على اسمه غير مكتمل، وهذا سيحتم طرح خيارات بديلة منها ربما تأجيل زيارة ماكرون في أيلول لبيروت.

وبتأجيل أو تثبيت الزيارة، وباسم الحريري أو آخرين، فإن ماكرون وديفيد هيل والاوروبيين وضعوا خاريطة طريق لأي وزارة جديدة، وأعلنوها حكومة لا تشبه سابقاتها، على عاتقها بند تنفيذ الإصلاحات، تنال رضى الشارع، تمثل المجتمع المدني لا الزعماء، ب”حزب الله” أو من دونه.

ولا تستقيم هذه المواصفات مع “جائحة” عون وبري لتنظيم حكومة فيها كل الرعونة السياسية وكل فسادها. وإذا كانت سوف “تلبس” إلى سعد الحريري، فإن زعيم تيار “المستقبل” سيأتي مزنرا “بنيترات” سياسية متفجرة، وسيكون شريكا لمافيا حكم عائدة إلى قبضتها ما قبل السابع عشر من تشرين.

ولما وضع ماكرون وهيل مقادير الحكومة الجديدة، فإن الغرب أفقد القوى السياسية قدرتها على المناورة، وأسقط مطالبها بالحصص، وانتزع من ميشال عون الاستشارات وخطفها إلى صوبه في انتظار التوافق.

إنه سباق اليوم مع الوقت. وللمرة الأولى يدلي طلال أرسلان بعبارة مفيدة من عين التينة عندما قال إن الرهان على الوقت أصبح مكلفا. أما كلام سمير جعجع لمناسبة صدور قرار المحكمة الدولية، فلا هو مكلف ولم يعد يفيد، وهو إذا استخلص أن جريمة اغتيال رفيق الحريري ليست ببسيطة، فإن احدا في الجمهورية سيبادله التوصيف، وسيقول له: إن جريمة قتل رشيد كرامي أيضا لم تكن بسيطة. وإذا جعجع يعتبر أن المجرم في اغتيال الحريري طليقا، فإن المجرم في اغتيال كرامي.حر طليق خرج بعفو عام، وكاد أن يصل إلى رئاسة الجمهورية.