من مسباره في المريخ، أرسل رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل آخر صوره التي ترى لبنان من زاوية الكوكب المعطل، قال الأشياء ونقيضها لساعة من الزمن.. وكان لستين دقيقة القيادي الوحيد الضامن لحقوق المسيحيين من هنا.. إلى الشرق العظيم.
ومن موقع يعطيه حق الإطلاع على كل تفاصيل التأليف ومداولاته السرية وأسماء وزرائه.. كان رئيس التيار ينتعل صفة رئيس.. ويتحدث بالنيابة والأصالة معا عن الرئاسة الأولى، وأعطى باسيل شهادات إيداع سياسية قضائية في ملف المرفأ، وكمن يرحب بتطيير القاضي صوان.. قال باسيل: لدينا اليوم قاض جديد.. وهذه مناسبة لتصحيح كثير من الأخطاء القضائية السابقة.. وبينها حصر القضية بموظفين للتغطية على آخرين.. و”ما بتخلص القصة إنو كتار من الأمنيين والموظفين الأوادم متهمين بالقتل عمدا، بينما المجرمين الفعليين زامطين”.
يريد باسيل قضاء شريفا شفافا سريعا، ما يعني أنه لم يكن على هذه المواصفات في عهد صوان، وهو ساق جملة اتهامات لهذا القضاء، من التباطؤ إلى التسرع ثم المستنسب لتوازنات طائفية أو حزبية أو مؤسساتية، والطريق الأقصر لكل هذا السياق كان في أن يعلن رئيس “التيار” بشفافية وسريعا ومن دون استنساب، أنه يدافع عن المدير العام للجمارك بدري ضاهر ويسعى لتحريره، ووفق قضائه العادل.
ورئيس التيار الذي أصبح متحصنا في مبنى خاص داخل القصر الجمهوري.. مشرفا بفريقه ومكتبه الإستشاري على كل الشارد والوارد من القصر وإليه.. قدم اليوم مطالعة حكومية تؤكد أنه الرجل الأول في كل أوراق التأليف، التي يبدو أنها ستحتاج إلى توقيعه، لا إلى قلم الرئيس.
ومن فرع جهاز الأمن الحكومي والإستطلاع السياسي والغرفة غير المظلمة في قصر بعبدا، يتحكم رئيس “التيار” بالتأليف، ويبدأ هجوما على الرئيس المكلف، مسددا له ضربة من قلب ثورة تشرين.. معتبرا أن الحريري انقلب على شريكه الدستوري رئيس الجمهورية وطعنه في الظهر، واستقال “من دون ما يخبرو”.. راكبا موجة الحراك ليتنصل من المسؤولية، ويحملها إلى الرئيس ميشال عون.
وهذا يؤكد أن هذه الواقعة ظلت في صدر باسيل كل هذه المدة.. وهاله أن يصبح الحريري خارج اللحن في الشارع.. بينما ترفع لرئيس “التيار” ألحان بالعزف المنفرد من نوع “هيلا هيلا هو”.
ومنذ السابع عشر من تشرين عام ألفين وتسعة عشر، قاد باسيل الثورة على سعد الحريري و”حلف” أن لا يسمح له بالعودة الى موقع، سيظل شاغرا.. ولن يشغله “سعد الكذاب” طبقا لتوصيف الرئيس ميشال عون، وبهلوسات لا يلاقي بعضها الآخر أطلق جبران مسبار الأكاذيب.. فباسيل يريد الحكومة شرط الإصلاح.. يتعفف عن الثلث المعطل.. ويتفنن في الدفاع عنه، وثبيت حق المسيحيين في الثلث الذي سماه ضامنا. نابشا من تاريخ الطائف وقائع لأموات لن يستيقظوا ليكذبوه، وهو سيعطي الحكومة الثقة إذا التزمت شروطه..
لكن من طلب منه هذه الثقة، طالما أنه لم يسم الرئيس المكلف ولن يشارك في الحكومة. والأكثر هولا أن باسيل ينشغل باله على سلوك هذه الحكومة، الطريق إلى مجلس النواب من دون تأمين الثقة، وكان كل ذلك ليصبح خطابا عاديا مكررا غير معدل، لولا إصرار رئيس “التيار” على إنجاز الإصلاح والمطالبة بالكابتال كونترول واستعادة الاموال والتدقيق. ..وهي مشاريع قوانين يفترض أن يطرح مقايضتها على رئيس مجلس النواب وداخل الجلسات، وليس شرطا لتسهيل تشكيل حكومة.
والإصلاح المنشود من أين يتوفر بلا حكومات .. ولماذا لم يضرب جبران ضربة واحدة بالإصلاح على زمن مشاركته بخمس عشرة سنة حكم ..وأربع سنوات رئاسة؟. أما مطالبته برفع عدد الحكومة الى عشرين وتوزير المردة .. فإن باسيل باع سليمان فرنجيه مقعدا من ” كيسه” .. لأنه إذا ما تغير العدد ستصبح مشاركة المردة حتمية، وهي التي سمت الحريري وسمتنحه الثقة.
وحيال إعطائه وزراء التيار كمنوذج عن الوزراء المستقلين، فإن التصويت على سلعاتا وحده يشهد على هذه الإستقلالية.. وزيرة عدل تصبح خبيرة كهرباء .. فيما وزير عدل أسبق يبكي مودعا صديقه ميشال عون.
لقد كان خطاب باسيل السادس عشر .. وفرعون الزمن الحديث، الذي لم يجد من يردعه من شركاء مسحيين.