من جرود عرسال إلى جرود الضنية إلى الحدود المترامية عند خاصرة فلسطين متأهب على مسافة الوطن يقارع الإرهاب بتضحية ويستشهد بشرف ووفاء على الحدود يد على الزند وعلى الدروب يد على القلب خوفا من طعنة في الظهر أو من رصاصات غدر أطلقت في عتمة فجر تكاد لو أبصرت وجهتها تعتذر بقاعصفرين ضيعة على كتف جرود الضنية ودعت اليوم شهيدا من الجيش إلى المثوى الأخير في مشتى حسن كان يحرسها ورفاقه وقضى برصاص مجهولين ملثمين أفرغوا رصاص ثأرهم وغدرهم على حاجز للجيش اللبناني.
في الأعالي غدر مسلح وفي الداخل أبنية موقوتة شكلت فيما مضى تاريخ بيروت وهويتها محت حضارة الأسمنت جزءا منها وإهمال الدولة تكفل بالقضاء على معالمها الباقية ومنها مبنى النويري الذي تداعى اليوم عن عمر تسعة عقود إذ إن مجلس النواب حتى اللحظة لم يقر قانون حماية المباني التراثية النائم في أدراجه شأنه شأن أجهزة المكننة المرمية في مستودعات ساحة النجمة حيث لا تزال الطرق البدائية في الانتخابات والاستحقاقات سيدة المجلس وحيث يتطابق حساب القلم والورقة مع حساب سادة التعطيل والتزوير فيضاف مغلف زائد من هنا وصوت لقيط من هناك نتغنى ببيروت أم الشرائع وسيدة الحرف ومنطلق الحضارة ونتربع على سدة التشريع أربعة وعشرين عاما انتخبت خلالها الولايات المتحدة الأميركية أربعة رؤساء جمهورية عقدان ونصف من زمن النظام ونحن محكومون بالمحاصصة والفساد يحكمنا الشخص ويقودنا من فشل إلى فشل ومن تمديد إلى تمديد ويردنا ستين عاما إلى الوراء بقانون ينحر ما تبقى من أمل في إصلاح ويلتف على رقبة قانون الانتخاب الوحيد المطابق للمواصفات الدستورية الذي أعده وزير الداخلية الأسبق مروان شربل.
وبينما نعيش على الأطلال وأمجاد حضارة هدمنا هيكلها بلاد أصبحت على بعد مسافات ضوئية منا كالنمسا وإيطاليا اللتين خاض الملايين من سكانهما انتخابات بالتصويت اللاكتروتي وأعلنت نتائجها في ساعات بلا صوت زائد ولا ناقص وفي مجلسنا العتيد مئة وثمانية وعشرون صوتا ضاعت في جدول الحساب.