شهيدان للجيش اللبناني وشهيدان لقوى الأمن الداخلي، سقطوا دفاعا عن طرابلس وأهلها، في عملية ارهابية نفذها مجرم ضال لا بيئة له سوى بيئة الأشرار الخارجين على قيم الدين والدنيا.
عبد الرحمن مبسوط، ارهابي لا يملك من الرحمن واسم الرحمن شيئا، قرر القضاء على فرحة عيد الفطر المبارك في طرابلس، فكان الجيش ورجال قوى الأمن له بالمرصاد، وانتصروا لطرابلس وكرامتها واعتدالها، وأحكموا السيطرة على الأوضاع وضبط الأمور.
غير أن هناك من وجد في الحادث الارهابي، فرصة جديدة للنفخ في الأحقاد والعودة إلى ركوب أحصنة المزايدة والتفريق بين الجيش وقوى الأمن الداخلي، وإطلاق إيحاءات تعيدنا بالذاكرة إلى زمن الحديث عن “الداعشية” السياسية والحملات التي نظمت على تيار “المستقبل” في هذا السياق.
فبعد ساعات قليلة من نجاح الجيش والقوى الأمنية برفع كابوس الارهاب عن طرابلس، انبرت أصوات من لون برتقالي، توجه الاتهامات يمينا ويسارا وتسحب من أدراج الشر كلاما طواه الزمن عن بيئات حاضنة للارهاب، وعن الضغوط السياسية التي مورست لاطلاق الموقوفين الاسلاميين.
الوزير الياس بو صعب، انضم على طريقته لهذه الجوقة، وقال في معرض كلامه عن الارهابي مبسوط، انه سجن أقل من سنة بحكم صدر عن المحكمة، وهو لا يريد أن يستبق التحقيقات لكن كل الضغوط التي كان يجري الحديث عنها وكل التدخلات التي يحكى عنها تتبين نتائجها في مثل هذه الأوقات.
ربما الوزير بو صعب “آخد على خاطرو” أن الرئيس سعد الحريري اتصل بوزيرة الداخلية وقائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي ولم يتصل به، فأخذته حميته إلى القول لست منتظرا أن يتصل بي، وهو ربما يعتبر نفسه معني بقوى الأمن أكثر. وبغض النظر عما إذا كان الاتصال بوزير الدفاع مجديا أو غير مجد، فمن الواضح أن الوزير الجهبذ أراد أن يسجل بين كل فقرة وفقرة من كلامه، سقطة سياسية من الطراز الرفيع، وهو قرر أن يتحدث عن قوى الأمن الداخلي باعتبارها محمية حريرية، وقد فاته أن الرئيس الحريري رئيس للوزراء وأنه مسؤول عن كافة القوى العسكرية والأمنية، وأن محمية الوطن عنده تتقدم على كل المحميات الطائفية والحزبية.
نعم، الرئيس الحريري معني بقوى الأمن الداخلي، وهذا أمر يشرف أي مسؤول في الدولة اللبنانية، لكن تاريخه في السلطة وخارج السلطة يؤكد دوما انه معني بكل القوى العسكرية والأمنية، وبالجيش اللبناني تحديدا، الذي يبقى عنوانا للشرف والتضحية والوفاء، وهناك من يريد وضعه في خانته السياسية وتجيير اسمه ودوره وتضحياته لخدمة بعض الغايات السياسية الرخيصة.
فليتوقفوا عن التمييز بين المؤسسات، فليس هناك في هذه الدولة من هو ابن حرة وابن جارية، فالقوى العسكرية والأمنية بكل أجهزتها وقطاعاتها تعمل تحت سقف الدولة، وبأمرة القيادة السياسية للدولة وهي ليس مشاعا مفتوحا للاقتسام والمحاصصة.
سؤال أخير للوزير بو صعب، وكل الذين انتفضت غرائزهم لنبش البيئة المذهبية للارهابي عبد الرحمن مبسوط؛ هل تعلم يا معالي الوزير من هي المحكمة التي أصدرت الحكم على عبد الرحمن مبسوط لسنة ونصف السنة؟، وهل تعني أن المحكمة العسكرية كانت متهاونة في الحكم الذي صدر؟، ولماذا لم تسأل رئيس المحكمة العسكرية عن آلية اصدار الأحكام في المحكمة لدى زيارتك لها قبل يومين من الحكم بقضية سوزان الحاج وغبش؟، أم أن الغبش عندما يغطي العيون تنشأ عنه زلة لسان يمكن سحبها من التداول عندما تدعو الحاجة؟.
الوجع الذي حل بطرابلس صبيحة عيد الفطر المبارك، كان يستحق من بعض السياسيين والمعلقين والاعلاميين قليلا من الرأفة بمشاعر الناس وببراءة الدم الطاهر الذي انسكب فوق تراب الفيحاء، بمثل ما يستحق الكثير الكثير من الإحساس بالمسؤولية وتجنب السقوط من جديد في متاهات المزايدات الرخيصة.
فلا جيشي أقوى من جيشك ولا أمني أحسن من أمنك. لبنان القوي لا يعني لبنان الرؤوس الحامية. قليلا من التواضع والحكمة والتروي. نحن جميعا في حمى جيش واحد وقوى أمنية واحدة، نحن في حمى الدولة، ونقطة على السطر.