بعد عشر سنوات على أكبر تظاهرتين في تاريخ لبنان، انطلقت اليوم مراسم تشييع الرابع عشر والثامن من آذار معا، وقد ودعتهما حشود شعبية مدفوعة من مرارتها، في تظاهرة خرجت من ألم الرقمين.
من رهن السلطة لمزاج داخلي وأهواء خارجية، من استبداد الحكم وتمدده، من لهاثه إلى سلطة قضمت بمقاعدها ونفاياتها، من موت أمام المستشفيات، من شيخوخة لا تضمنها إلا عناية الخالق، من رفض حكم الطوائف، من روائح فساد عبقت فطوقت سياسييها قبل مواطنيها، من كل هذا وأكثر، تظاهرة لا لون لها ولا زعيم أو قائد عشيرة، ناسها هم قادتها. كل مشارك فيها كان سيد نفسه، يصنع مستقبلا لجيل بلا وراثة.
هم نزلوا الساح، ليس بهدف تسجيل رقم ثالث في الوطن. وقد جاؤوها يطلبون عدالة وحرية ورغيف خبز، ومحاربة البطالة، إقرار قانون انتخاب، فتح صناديق الاقتراع، وإغلاق مستوعبات النفايات، وإسناد دور المعالجة إلى البلديات.
لقد فاض الناس وثاروا على دولتهم، حيث لا رجوع إلى الوراء، وهم جنزوا سلطتهم اليوم ومشوا في مثواها الاخير، وبعضهم ودع حزبه وحكم طائفته، قائلا: عذرا أريد ان أعيش وان أحيا بكرامتي من دون وساطاتكم ومحسوبياتكم، ولن أصل إلى وطني إذا بقيت سائرا على درب نفاياتكم.
ولأن المطالب غير مستحيلة، فقد أمهل المتظاهرون الحكومة إثنتين وسبعين ساعة، قبل معاودة التحرك والتصعيد اعتبارا من ليل الثلاثاء. ووضعوا إطارا لتحركهم يتضمن بناء دولة مدنية ديمقراطية وعادلة، مؤكدين إستمرارهم في هذا التحرك حتى استقالة وزير البئية محمد المشنوق ومحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق.