هو يوم للصواريخ الباسيلية الدقيقة وغير الدقيقة، وقد انفجر أحدها في قيادة قوى الأمن الداخلي، فجاءت إصاباتها مباشرة باتجاه اللواء عماد عثمان وبالاسم الثلاثي وبكنيته السياسية ضمنا. فرئيس التيار القوي الذي أمضى نهارا بعبداويا قرر أن يفتح “المشط السياسي” على كل من طاوله نقدا واتهاما، وشد عصبيات وانتزاع صلاحيات، فاستخدم باسيل عبارات “الهزهزة” والخلخلة والفكفكة، وعاد محاربا في شوارع الشياح ضد عصفورية ضاربة في البلد.
وبعد مطالبته بتشريع شعبة المعلومات لأن حالتها اليوم غير قانونية، لفت باسيل إلى أن اللواء عثمان ليس أعلى من رئيس حكومة ولا يحق له منح تراخيص البناء والآبار والكسارات. وعن اتهامه بالمس بالطائف، رد باسيل بأن ما جرى ليس بسبب كلام قلته بل على كلام افتراضي اخترعوا جملا وبدأوا بالرد عليها، ومنها عن السنية السياسية، مؤكدا: نحن لسنا لا مع المارونية السياسية ولا الشيعية السياسية ولا السنية السياسية نحن أبناء الميثاقية.
ولم ينقض نهار رئيس “التيار”، حتى عاجلته وزيرة الداخلية ريا الحسن بالوكالة عن اللواء عثمان، والذي سبق أن وضعت تحت اسمه خطا أحمر، وبوصفها الوزيرة الوصية على القطاعات الأمنية قالت الحسن: يصر الزميل جبران باسيل على إطلاق المواقف التصعيدية في كل جولة أسبوعية يقوم بها، حيث نجح وبجدارة في إذكاء وإثارة مزيد ومزيد من الانقسامات على أبسط الأمور التي لا تحتاج البلاد إليها على الإطلاق.
وإذ تفهمت الحسن دوافع الزميل العزيز، رفضت استخدام ذلك للإيحاء بأنه المصلح الوحيد في البلاد. وطلبت منه بمودة واحترام أن يترك الأمور إلى اصحاب الشأن ولا يعمد إلى التشويش على عمل باقي الوزارات التي لا تدخل في اختصاصه أصلا. ولا تتناسب مع موقعه كوزير للخارجية. ولاحظت وزيرة الداخلية وجود سعي وإصرار على تعميم خطاب قائم على التجني والافتراء. ودعت الحسن وزير الخارجية إلى أن يستوضح وزير البيئة السابق عن عدد رخص الكسارات والمرامل التي قام بمنحها من دون الرجوع إلى المجلس الوطني للمقالع والكسارات بحسب الأصول، والتي لو سمحت بالعمل بها لأصبح لبنان بأسره كسارة كبيرة ومرملة مترامية الأطراف.
وفيما يتعلق بموافقات البناء والآبار، أكدت الحسن أن هذه الموافقات عمرها أكثر من عشر سنوات، وقد استفادت منها كل الأطراف السياسية الأساسية في البلاد، من “التيار الوطني الحر” إلى باقي الأحزاب والتيارات السياسية وصولا إلى تيار “المستقبل”، فكفى تغنيا بالشفافية واستقلالية القضاء بعدما وصلت الأمور إلى حد العمل على ضرب الجسم القضائي في الصميم عن سابق تصور وتصميم.
حرب خارجية، داخلية، وبالنيابة عن الأجهزة الأمنية، وربما العبارة الأصدق من بين خطابات الأحد النارية أننا في عصفورية، وما ضرب الجسم القضائي الذي تحدثت عنه الوزيرة الحسن، سوى طعنات سياسية ترهن القضاء لنوادي أهل السلطة. والطعنات هي أيضا من قلب الجسم المسيس بحيث تعرض اعتكاف القضاة لتهديد من المجلس الأعلى الذي أعطى نهاية شهر أيار مهلة أخيرة للتراجع وإلا يتحمل كل منهم مسؤوليته عن موقفه، لكن اعتكاف القضاة ما كان إلا صرخة عن واقعهم الضاغط سياسيا وماليا في آن، فهم انتفضوا ليستقلوا، صرخوا لنيل حقوقهم، وما استقلالهم عن الهيمنة السياسية إلا عافية للوطن، ونفس حر منزه عن أي تدخلات هي فرصة قد لا تتجدد في فرض الاستقلال، فالتقشف عن السياسيين أجدى وأفعل من التقشف في الموازنة، ومتى صار القضاء بخير، سيصبح الوطن ويمسي على خير.