مبنى “تاتش” صورة مصغرة عن دولة “العونطة”، عن شراكة سياسية اتبعت نظام بيعة خارجة عن الأصول تحت الشبهات وفوق المؤسسات. ولولا العناية النيابية بصوت جميل السيد، وملاحقة قناة “الجديد” لأصل الحكاية منذ منشأها حتى آخر صكوكها، لصار وزير الاتصالات محمد شقير قديسا يعمل ليل نهار بحرص وتوفير على إهدائنا مبنى فاخرا في وسط المدينة، ولظهرنا نحن اللبنانيين “بلا وفا” لا نقدر أتعاب الرجل وضناه ومساعيه لشراء هذه التحفة المعمارية.
ومبنى “تاتش” كادت تدفن فضيحته في عقاره في الباشورة، مع كل المستثمرين ماليا وسياسيا على خطه وهم: رئيس الحكومة سعد الحريري بوصفه رئيسا وبصفته أيضا جزءا من شركة “سوليدير”، أما ثاني المشاركين فهو وزير المال علي حسن خليل الذي أصدر توضحيات خجولة، بعدما “فات السبت بمكان ما”.
وسبت التوضيح المالي جاء بعد جمعة الشيك المصرفي الذي دخل في حساب مالك المبنى السيد نبيل كرم، وبموجبه صار كل كلام عن توقيف وإلغاء وتجميد للصفقة يكلف الدولة غرامات إضافية، فما معنى بيانات وزير المال أمام تحصيل الشيك المصرفي؟، وأي توضيحات سوف تنفع، وسط تأكيد صاحب المبنى أن الوزير شقير أبلغه موافقة رئيس الحكومة ووزير المال قبل توقيع العقد؟.
وأمام هذه الحقائق، فإن مجموعة البيع كانت تعول على إمرار المشروع من خلال خطة “الاستغباء واحد”، وعلى زمن لا مجلس وزراء فيه ورئيس هذا المجلس يتبع طقوس الاعتكاف السري، فيما رئيس الدولة يطلب إلى اللبنانيين التضحية ببعض مكتسباتهم للخروج من الأزمة الاقتصادية. طلب الرئيس ميشال عون إلى اللبنانيين تقديم التضحية، وسقط سهوا أن يطلبها من وزرائه وسياسييه ومجموعته الحاكمة، والذين في المقابل ليسوا على استعداد لتقديم أي تنازل سياسي يحرر البلد، وينتشله من قبر وضعت الحكومة فيه.
وهذا القبر يبدو أن السياسيين سينبشونه من جديد، فالحزب “التقدمي” ضرب وعدا لكشف الحقائق يوم الثلاثاء، متهما بشكل غير مباشر رأس السلطة بتعطيل المؤسسات، وأعلن الوزير وائل أبو فاعور أن الحزب سيفضح المستور، ويطلع الرأي العام اللبناني على تدخلات سافرة في القضاء يندى لها الجبين وتشيب لها النواصي.