منذ حكم الست نظيرة جنبلاط “أم المعلم”، لم تسند إلى النون الجنبلاطية أدوار تقدمية ذات أبعاد سياسية. لا نظير لسيدة وصفت بأنها جسر بين تاريخين في القرن التاسع عشر، ولا وجوه للمقارنة بزمن الأحفاد.
لكن بغياب وليد سفرا، وباحتجاب تيمور حضورا وغيابا، أطلت الدوالي الجنبلاطية، وتزعمت داليا وليد جنبلاط وفد “الاشتراكي” إلى الترحيب برئيس الجمهورية في بيت الدين. اكتفت بنت الجبل بعبارات ثلاث لزوم التأهيل، لكن تاء التأنيث التي توسطت نوابا ووزارء “تقدميين”، هي تاء من وحي فكر الكمال وتحرر الأجيال، ولو أرادت لهزمت من سبقها من رجال.
رحب الوفد بالرئيس، وبادلهم العماد ميشال عون تحية الجبل، معلنا أن المصالحة الأساسية التي حصلت لن تهتز وإن اختلفنا سياسيا.
على أن الاختلاف في السياسة، يجب ألا يفسد لمجلس الوزراء قضية، فالبلاد تقوم على دساتير تحكمها، والدستور اللبناني يحدد الحكم بمجلس الوزراء مجتمعا، وليس بمصالحات عشائرية قابلة للنقض والثأر، ولا حتى بطاولة حوار تراود رئيس الجمهورية، ولا بفض نزاعات على الطريقة التوافقية والحبية وتبويس اللحى.
جميل مشهد بيت الدين، وقبله “لمة” قصر بعبدا، وفض الاشتباك وربط النزاع، لكن الدولة تعمل بانتظام مؤسساتها الدستورية وقرارات مجلس الوزراء، وليس بنظام التوافق الذي لا ينتج عنه سوى تقاسم الحصص. فإذا كان شعار العهد مذيلا ب”الإصلاح والتغيير”، فما شأن المصالحات وطاولة الحوار واجتماعات الوفاق وجلسات التفاهم على “الحب الأعمى”.
ويبدو أن الدفة سيجري تسييرها بالدفع الخماسي، من دون العودة إلى الدستور، حيث تمر فضيحة بوزن مبنى “تاتش” بلا أن يهتز رمش للقضاء. يجري حشو الموازنة بالأرقام المفخخة نفسها، بلا مساءلة. تنتشر النفايات وتطمر أقضية، ولا يدعى إلى مجلس وزراء طارىء. قضاء تنهشه الساسة وتقضم جباله من دون اعتراض. وزارات تحولت إلى مغارات. مملكة وزارة الاتصالات تفتح جزيرة مال مستقلة، ووزارة المال لا تراقب، فيما تحتاج هي نفسها إلى من يراقب عنابرها.
كل ذلك وعلينا كمواطنين أن نصفق لأن وليد جنبلاط تصالح على طلال أرسلان، وميشال عون صار شيخ صلح، والوزير الغريب غض النظر عن “العدلي”، وجبران باسيل “خفف مشاويره بين الجبال والأودية”، وكمين قبر شمون صار رمزا بين زمنين. وعلينا كذلك أن يسيل لعابنا على “سيخ شاورما” اتخذه الرئيس سعد الحريري منصة ل”السيلفي” في واشنطن، متوسطا امعاء لبنانية اتخمت بتواتر معلومات أميركية عن عقوبات مقبلة.