قم.. لمشهد امتد من طهران إلى كرمان، في مد بشري جمع الملايين على امتداد رحلة العودة إلى المثوى الأخير. بالحشد الشعبي الإيراني، كان الرد الرمزي على اغتيال قاسم سليماني، قبل أن ينتقل المشهد إلى مستوى: إشتدي أزمة من دون باب فرج.
ففي اليوم الرابع على الاغتيال، بلغت لعبة عض الأصابع ذروتها بين واشنطن وطهران. المرشد تقدم الجموع وذرف الدموع، وقائد الفيلق إسماعيل قاآني توعد بطرد الولايات المتحدة من المنطقة. ومجلس خبراء القيادة رسم خريطة طريق واشنطن إلى مستنقع قاس عنوانه الانتقام، وأطلق النفير للقوى الثورية في العالم الإسلامي للاستعداد لإخراج القوات الأميركية. لتتوج الدعوات بقرار العراق: حان وقت خروج الأميركيين.
هذه المواقف استبقت بتهديد ترامب بقصف اثنين وخمسين موقعا ثقافيا إيرانيا، بمفعول رجعي يعود إلى أربعين عاما، حين حوصر اثنان وخمسون جنديا أميركيا في مبنى السفارة غداة الثورة. تلتها مطالبته العراق بدفع فاتورة بدل إقامة قاعدة جوية أميركية على أرض عراقية. لتقفل بورصة مواقفه على توعد إيران بأنها لن تمتلك سلاحا نوويا أبدا.
بين التهديد والتهديد المضاد، انتقلت الأزمة بين الطرفين إلى مستوى الإنذار الأحمر، وإلى مواجهة حقيقية قد تنتهي إلى ما لا تحمد عقباه، إذا لم يفلح الوسطاء في نزع فتيل التوتر، وإنهاء لعبة لا تسمح هيبة أي من الطرفين بالمبادرة إلى إنهائها. فإيران تريد الانتقام لأبرز قادتها، حفاظا على ماء وجهها، وتسعى لامتصاص الضربة وتحقيق المكاسب من دون الانجرار إلى حرب مفتوحة. وواشنطن تلعب على أرض غيرها في محيط جغرافي يغلي تحتها، وإذا ما واصل رئيسها ديبلوماسية الجنائز فسينتهي مصيره في صندوقة الانتخابات، عندما يعود الجنود الأميركيون أفقيا وفي الصناديق.
وعموديا نحو أفق الحكومة، فإن تشكيلتها مرجحة للسير في ركب الجنائز، إذا ما استمرت معلقة على أعمدة إقليمية. فمرحلة ما بعد سليماني فرضت مستجدات قد تدفع إلى إعادة البحث في حكومة تكنو- سياسية، وهذا ما سيرفضه الشارع، وستندلع الشرارة الثانية للنزول إلى الأرض. ومعالم هذا التوجه، والتحكم المروري السياسي للحكومة، قد تتضح في كلام رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في حلقة “#كشف_الحساب” مساء غد على “الجديد”.
والجديد في اتهام الجديد يذكر، ولنا بدورنا كشف حساب بمفعول رجعي عن اثنين وثمانين يوما بعدد يوميات الثورة. فعن سابق احتقان وتصميم عن سنين أهدرناها على ملاحقة الفساد من دون توقيف الفاسدين، عن دولة نهبت عن بكرة مسؤوليها، وعن شعور بآلام الناس، وجدت “الجديد” نفسها في الشارع وفي مكانها الطبيعي دعما لثورة حق، صافية المطالب ومجروحة الصرخات. وخلال المسير، تلقت “الجديد” سيلا من الكدمات السياسية والحزبية، ووجدت أن مراسيلها قد أصبحوا “مشاعا” مستباحا لخارقي الخصوصيات.
فكانت الغزوة الأولى عبر هتك الحرمات الخاصة، وتوزيع الأرقام الهاتفية، والرمي باتهامات التخوين. إلى أن جاءت الغزوة الثانية، بقرار قطع البث الذي اتخذه ثنائي “أمل”- “حزب الله” بالتكافل والتضامن، وتطبيق العقوبات، فرض عين على مشاهدي “الجديد” وحرمانهم محطة يطالبون بها اليوم.
قرر الثنائي الشيعي في حينه، ولا يزال يقرر عن مواطنيه، أن يصادر رأيهم في التفكير، وتحديد ما يريدون من قنوات، وأن يحجب بنفسه ما يشاء، لكن “حزب الله” شاء، ولا تفكروا فنحن نأخذ هذه المهمة عنكم بالتعاون مع “أمل”.
عارضنا القرار، فخونا وأصبحنا عملاء. إلى أن قرر الرئيس سعد الحريري أن ينزل بمناصريه إلى ساحات التدافع في الشوارع، يقطع طرقا وينفي، ويستخدم الطائفة الكريمة في حروب مكروهة، يصعد الى الباصات ويلامس الساحات. وصفنا الحدث. فأصيبت “الجديد” برشقات من الاتهامات أقلها أنها “محطة لحزب الله” الذي سبق أن عاقبها بقطع البث.
وعلى مدى ثمانين يوما قبضنا من قطر مبلغا وقدره، تسلمنا من الامارات عشرين مليون دولار، من السفارات والجمعيات مبالغ نقدية وعينية لم نستطع أن نقدرها بثمن. اتهامات بالعملة المفقودة تعد لا بل تحصى. وهي عبارة عن كذبة على أوراق إلكترونية تتكرر ويعاد فرزها مع كل طلعة صباح. وآخر الممولين جبران جرجي باسيل، الرجل الذي عرف عنه انه يوزع لقاء كل لقاء تلفزيوني، ثلاثة ملايين دولار، كأذوبة القرن العشرين.
نقبل النقد غدا على حلقة فاشلة، ونتحمل الغضب من كل حدب وصوب إذا مارسنا الرياء السياسي أو حابينا رئيس “التيار”، أو إذا انجرفنا إلى تيار سياسي دون آخر، واصطفينا وهادنا. لكن “الجديد” التي كانت وسوف تبقى لكل الناس، هي محطة ترفض الشروط، وتحاور الجميع تحت سقف المساءلة. سماؤها مفتوحة للجميع. فضاؤها يتنفس من الثورة وللثوار. لكن الأحرار هم من لا يضعون حواجز ويرفعون شعار المقاطعة الاعلامية. ومن سار تحت معادلة “كلن يعني كلن” في الشارع، لا يستثني جزءا منهم على الشاشة. واتهامنا بالملايين الفارغة من مضمونها اليوم، هو شكل من أشكال التعدي على “الجديد”. وبضربة بحث بسيطة اكتشفنا الهويات السياسية لمن يطلق هذا الاتهام، وهم من بيوت “المستقبل” وآخرون.
توقفوا هنا، وكفاكم هدر أكاذيب تضر بالثوار قبل أن تطال سمعة “الجديد”.