تبادل الرسائل الباردة عبر المحيطات بين أميركا وإيران سحب من المنطقة إشعاعها البالسيتي انطفأت إقليميا ومن دون ترابط انطفأ نور لبنان في التيار. فحلت اللعنة من جديد على أزمة تكرر نفسها منذ ثلاثين عاما وتضافرت الأسباب على انقطاع الكهرباء، إذ اجتمع الطقس العاصف وأزمة فتح الاعتماد وكونا ملفا ضرب الشبكة، لكن الآتي أظلم لأن مخزون الفيول بحسب وزيرة الطاقة ندى بستاني، يكفينا الى آخر شهر شباط المقبل، وسيكون على لبنان في هذا الوقت انتظار إقرار الموازنة في مجلس النواب، بهدف تقرير قيمة السلفة الممنوحة إلى شركة كهرباء لبنان لشراء الفيول.
وبالمكيول الحكومي، فإن العتمة تتسع وسط تقنين سياسي قاس مع سعي لإفراغ مخزون الرئيس المكلف حسان دياب، ويرتفع الموج السياسي فوق تلة الخياط، وإذ يعاند دياب الأنواء. فإنه لم يظهر بعد أي علامات لا على المغادرة ولا على فرض حكومة يراها مناسبة، يرميها في وجه الأقطاب السياسية التي تقرر مصيرها في مجلس النواب. وهناك إما الثقة وإما حجبها.
وملكية الثقة الممهورة بعبارة “صدق”، هي لعبة يتقنها رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكن سيد الأرانب قرر عدم اللجوء الى ورقة التصويت وراح يقرأ الكف ويستشعر الخطر الذي يحتم حكومة تكنوسياسية، قائلا “إن الوضع في لبنان ما زال يتدحرج من سيئ إلى أسوأ و ليكن معلوما أن كل الحكومات في العالم هي مرآة للمجالس النيابية”.
وسأل ما سبب تصوير الأحزاب والحزبيين وكأنهم “بعبع”، مع العلم أن الأحزاب مفخرة ولديها كفاءات وقدرات.
وبموجب وصفة بري التي تراعي خواطر “حزب الله” ولا تزعج رئيس الجمهورية، فإن الشروط عادت الى مربعها الأول. ومن هذا المربع قد يطل اسم ” المهاجر ” الحكومي سعد الدين الحريري مصحوبا بوزير المال علي حسن خليل وزيرا للخزانة.
تنفيذا لرغبة بري وتجري هذه الاحداث على وقع وطن يموت على بطء، مواطنون يصطدمون يوميا بالمصارف، بنوك تحتجز الأموال، محروقات بدأت بالنفاد، شركات في غرف العناية الفائقة، ومستشفيات على موت سريري.
وبما تقدم فإن الناس هي آخر اهتمامات تركيبة سياسية لا تزال على روزنامة ما قبل تشرين لم يمر عليها الزمن، بدلت الثورة في الوطن ولم تبدل رجاله، وآخر مسلسلات الرعب جاءت عبر إدراج لبنان في لائحة الأخطار الإقليمية.
فنحن علينا أن نعيش خطر الضربة الاميركية التي لن تقع، ونتحسس من فوق رؤوسنا صواريخ باليستية على القواعد الاميركية، فيما إيران نفسها اكتفت بما رمت. فالحرب مستبعدة على طرفيها الأميركي والايراني وبإقرار الجبهتين.
ترامب اختار وجبة عقوبات جديدة ووقع عليها اليوم، وطهران أنهت الرد على اغتيال قاسم سليماني “بفقئها” عين الأسد، وضربها هيبة أميركا.
لا شيء سيتغير في هذه المعادلة، حيث لا حرب ولا تصعيد، بل تبادل رسائل عن فتح باب التفاوض، فلماذا نغير نحن في قواعد الاشتباك الحكومية.