بتعيينات مصرف لبنان انكشف أول غطاء سياسي عن حكومة الخبراء المحايدين. وبالمغتربين “بينت القرعة من أم عيون”. فحكومة حسان دياب التي أنزلت على اللبنانيين كالآيات البينات ورسل وقديسين، ومن فضاء مستقل معزول لا يمت بصلة إلى الواقع الحزبي، وجاءت لتلبي متطلبات الثورة، ظهرت عوارضها السياسية وتعرت عند الأزمات.
قبل أيام كان تهديد سليمان فرنجية من بوابة التعيينات، ممسكا بالثلث المعطل من جناحيه النيابي والوزاري. تلاه الرئيس نبيه بري بمعركة ال”كابيتال كونترول” الذي أصاب به الحكومة ووزير المال غازي وزني معا. إلى أن بلغ السيل السياسي الزبى الحكومية اليوم، بإعلان بري حالة “بريكزت” حكومي، مهددا بأنه سيعلق تمثيله الوزاري يوم الثلاثاء، إذا بقيت الحكومة على موقفها من عودة المغتربين.
بري يسحب التمثيل. فرنجية يهدد بالتعطيل. وليد جنبلاط، سمير جعجع ينتظران على “الكوع”. جبران باسيل يزايد على الجميع. فماذا بقي من حكومة حسان دياب سوى “الفراغة”؟.
سحب التمثيل السياسي من الحكومة، يشكل بحد ذاته تمثيلا على الناس والثورة، ويجعل من دياب “هيكلا سياسيا عظميا”، بعد تذويب الخبراء وتحويل التكنوقراط إلى حفنة وزارية تنتظر أمرها وتقرير مصيرها من المراجع المختصة. فهذا الأداء لا يطمئن، حيث ما زلنا عند الالاعيب السياسية نفسها. والزعامات تحجر على حكومة تم تعليبها بشعار مستقل، فاتضح أن مكونين سياسيين قادران على إسقاطها من عليائها، لتتبعهما أحزاب عندما تدعو الحاجة. وبهذه الحالة تصبح استقالة حسان دياب أكثر رأفة به وبكل اللبنانيين الذين آمنوا باستقلاليته.
وبعدما كانت الحكومة قد “حلفت بغربة المغتربين”، ووضعت شروطا لعودتهم، كسبا للوقت، تنفذ الثلاثاء المقبل “أمر اليوم” الصادر عن عين التينة، وإذ اجتمعت اللجنة الوزارية وأحالت ملف العودة إلى جلسة الأسبوع المقبل، وقال دياب إننا مع العودة الآمنة لكل من يرغب، بعدما نالت الإجراءات المتخذة في مواجهة فيروس كورونا الثقة في الداخل والخارج. وشدد دياب على أن “هناك مسؤولية وطنية لحماية اللبنانيين في الخارج واحتضانهم، وفق المعايير التي تحمي عائلاتهم ومجتمعاتهم.
وتطابقت الفحوص العينية السياسية للعودة بين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والرئيس نبيه بري. لكن باسيل وضع مواصفات للرجوع، داعيا إلى الإاسراع في البحث عن أفضل وسيلة لعودة المنتشرين، بدل التلهي بالمزايدة الشعبية أو السياسية، لكن بعضا من الشروط التي تطرحها الحكومة لا تطبقها أي من الدول على مواطنيها، إذ إن اختبار الكورونا قبل العودة، يمكن أن يستبدل بميزان حرارة لدى صعود الطائرة.
وفي اطار التسهيل، أعلن رئيس مجلس ادارة “الميدل ايست” محمد الحوت، في اتصال مع “الجديد” أن الشركة مستعدة لإجلاء المغتربين على نفقتها فور صدور قرار رسمي بذلك.
وفي مسار العودة بشقه العربي، فإن الامارات العربية المتحدة أعادت بالأمس حرارة الخطوط مع دمشق، باتصال ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري بشار الأسد، وأبلغه “أن سوريا البلد العربي الشقيق لن يكون وحده في هذه الظروف الدقيقة والحرجة”.
وإذا كان هذا الاتصال قد جاء في زمن الكورونا، فإن العلاقات بين البلدين لم تكن قد تعرضت في السابق لأي من الأمراض، لا بل شهدت على درجات حرارة سياسية، اقتصادية وديبلوماسية معتدلة نسبة الى خطرها مع دول خليجة اخرى .فقد تبادل البلدان الزيارات على المستوى الاقتصادي، وظلت سفارة الامارات مفتوحة في دمشق، إلى أن جاء الاحتفال بالعيد الوطني الإماراتي في كانون الأول من عام 2019، تعبيرا عن مناخ جديد عبرت عنه الكلمة التي ألقاها القائم بالأعمال الاماراتي عبد الحكيم إبراهيم النعيمي، ولا سيما وصفه القيادة السورية بـ”القيادة الحكيمة”.
ومن شأن اتصال بن زايد اليوم، أن يعطي نفسا مشجعا لبقية الدول العربية والخليجة منها، وتاليا إلى الجامعة العربية التي لا تزال “مرعوبة” من اتخاذ القرار بعودة سوريا إلى مقعدها الذي لم تملأه صفوف المعارضين المنقسمين على كل تفصيل.
وباتصاله يوم أمس، أعاد بن زايد دفء الأمس الذي كان يختزنه رئيس الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد ال نهيان، الرجل الذي ما نسي عربيا إلا وضخ فيه روح الوحدة والعروبة والعودة إلى الجذور.