جمعة عظيمة لشعوب حزينة، وعالم يناهز مئة ألف قتيل، ويتقدم نحو مليوني إصابة بوباء ينتظر المخلص.
هي الجمعة الأكثر حزنا، الرافعة أياديها إلى السماء، متضرعة لشفاء أهل الأرض الذين يخوضون أقوى اشتباك من نوعه مع فيروس يعلق أكاليل الشوك على رؤوس الدول. وللمرة الأولى يقوم عدو مستبد بمحاصرة الكنائس، فتسقط روما، ويجري أسر الفاتيكان، وتنحني نوتردام على بقايا حريقها، وتقرع أجراس بيت لحم سائلة القيامة.
من بين الأمراض، واقع فرضه كورونا، أنهك قدرة الأنظمة على التحكم السريع، أعفى دولا واستخبارات وجند المختبرات. ومن بين الجنود البيض: أطباء لبنانيون زارهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مستشفى الدكتور ديدييه راوول في مرسيليا، ظهروا في الخطوط الأمامية من ضمن صفوف تحارب هذا الوباء. وقد أجرى رئيس الحكومة حسان دياب اتصالا عبر الفيديو مع الأطباء اللبنانيين، انتهى بعبارة “بتكبروا القلب”.
والقلب الكبير خان الطبيب اللبناني نبيل شرابية، ابن بكفيا، الذي قضى بفيروس كورونا خلال عمله في معالجة مصابي مستشفى إيطالي.
أطباؤنا كبروا هذا القلب، لكن ماذا عن الأطباء وحكماء السياسة الذين يقفون حاجزا أمام دوران العجلة الاقتصادية والمالية والإدارية والقضائية؟. وإذا كان رئيس الحكومة قد اجتاز بالأمس عتبة التعيينات بمعارضة سياسية ناعمة، فإنه غدا يسأل عن مصير التشيكلات القضائية، وما إذا كانت قد دخلت فعلا الأدراج السياسية، وجرت محاصرتها أسيرة توقيع وزيرة العدل، لتؤسس لحرب بين القضاء والعهد.
فبتاريخ الخامس عشر من آذار الماضي، أعلنت الوزيرة ماري كلود نجم عبر “الجديد” أنها لن ترد التشكيلات القضائية مرة أخرى بعد ردها الأول، وهي كانت وضعت مجموعة أسئلة في كتابها العلني إلى مجلس القضاء، الذي أجاب على هواجسها في لقاءات خلف الاعلام. لكن مضى لليوم نحو شهر على هذه المداولات، ولم يتبين مصير التشكيلات، فهل نحن أمام معارك صامتة تدور خلف القضبان القضائية، بين مجلس قضاء اعلى تجرأ على إزاحة عدد من المواقع، وعهد تلتف حوله قوى وزعامات سيطرت لسنوات على استقلالية الجسم العدلي؟.
وفي خلاصة الحكم، اننا أمام حلبة مصارعة، ولم تعد القضية تحتمل التأجيل ولا الدفوع السياسية، لأنها خرجت عن مسارها القضائي وأصبحت في عهدة: عهد يواجه مجلس قضاء أعلى.