IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم السبت في 27/06/2020

… والسفيرة قبل الخبز أحيانا. فبعدما كان الحدث مغلفا بأكياس طحين وبطوابير الناس أمام المخابز، أصبح داخل فرن أميركي، وذلك عقب قرار من قاضي الأمور المستعجلة سجل سابقة من نوعها في منع السفيرة دوروثي شيا من التصريح مدة عام كامل. لكن السابقة الأخطر، تلك التي شملت وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية العاملة على أراضينا، وحظرت عليها إجراء أي حديث أو مقابلة مع السفيرة الاميركية مدة سنة، تحت طائلة وقف الوسيلة الإعلامية المخالفة عن العمل مدة مماثلة، وتغريمها مائتي ألف دولار أميركي.

في قراره استند القاضي محمد مازح إلى استدعاء مقدم بتاريخ اليوم من سيدة لبنانية شاهدت مقابلة للسفيرة شيا على قناة “الحدث العربية”، وأدلت فيها بتصريحات مسيئة إلى الشعب اللبناني ومثيرة للفتن والعصبيات، ومن شأنها تأجيج الصراعات المذهبية، وتشكل خطرا على السلم الأهلي. وفي حيثيات اتخاذه القرار في يوم عطلة قضائية، برر مازح أن منصب السفير كائنا من كان لا يعطيه الحق وفق أحكام المعاهدات الدولية واتفاقية فيينا، في إثارة النعرات الطائفية.

ولحظ القرار أن شيا تناولت أحد الأحزاب اللبنانية التي لها تمثيل نيابي ووزاري وقاعدة شعبية لا يستهان بها، وحملته مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في لبنان. ورأى مازح أن كلام شيا جاء ليسيء إلى مشاعر كثير من اللبنانيين، وليساهم في تأليبهم بعضهم على بعض وعلى الحزب المذكور.

كل ذلك قد يشكل سردا له خارج القانون أو داخله، لكن ما يعني الإعلام منه أن الحظر قد شمله بطرق عشوائية خطرة ومكلفة، وتأتي تحت الفصل السابع والتهديد بالإقفال ودفع الغرامات وبالدولار الأميركي، وهذا ما لا يمكن أن توافق عليه أي وسيلة إعلامية، لا بل عليها السير عكسه وكسر محرماته، لأننا إذا وافقنا اليوم على حظر مقابلة سفيرة من أي بلاد كانت، فسوف نضطر إلى الموافقة غدا على إجراء مماثل يرتب على الإعلام أن يبيع أخباره بالمزاد العلني وسوق النخاسة.

هي خطوة قضائية بقدر ما كانت مستعجلة جاءت متهورة، وأخذت في طريقها مؤسسات وإعلاميين وصحافة لم تعمل يوما بموجب قانون سيدة جلست خلف الشاشة ولم ترقها مقابلة تلفزيونية فقررت الادعاء العاجل. فالإعلام جسم حر له مرجعياته القانونية ويحتكم إلى قانون المطبوعات وقانون المرئي والمسموع، ولا يبطله قرار عجلة، وللقاضي المعني أن “يمازح” أحدا آخر حتى السفيرة الأميركية ضمنا. لكن الإعلام هنا ليس ضمنا ولا هو من الحواشي، وإذا كان سيربي السفراء بقرار من نوع العقوبات، فكان له أن يفعل ذلك خارج الحدود الإعلامية لا عبر سطورها.

أما فيما خص متن الشكوى، فلها من يدافع عنها بجهاز الدولة برمتها، إذ إن رئاسة الحكومة اعتذرت ووزارة الخارجية اعترضت ووزيرة الاعلام أكدت أنه لا يحق لأحد منع الإعلام من نقل الخبر ولا الحد من الحرية الإعلامية. ولم يبق سياسي لبناني سابق وحالي، مقيم أو مغترب، إلا وسجل موقفا استلحق فيه الإدانة. وجرى ضخ سيل من المواقف أظهرت أن السفيرة “عزيزة” على قلوب شريحة كبيرة من الزعماء والسياسين، لاسيما أولئك الذين أرادوا تسجيل نقطة أخرى سوداء في سجل حكومة حسان دياب.

وخارقة العقوبات عليها، وتحديا لقرار القاضي الصادر بحقها، كسرت السفيرة الأميركية قرار العجلة، وظهرت على الإعلام بتحد، وقالت إن السفارة لن تصمت. القرار لا يزال بدائيا وخاضعا للاستئناف، وربما يصنف في الخانة الاعتباطية، بحيث أن السفراء يخضعون لديبوماسية وزارة الخارجية التي عليها استدعاء أي سفير يخالف الأعراف والقوانين.

لكن في المقابل، فإن شيا تجرب اليوم معنى القوانين الخرقاء التي كانت بلادها أول من “علمنا” عليها واعتمدها نظاما على العالم أجمعين، فالقانون الأميركي في بعض فصوله كرس الولايات المتحدة دولة “كاوبوي”، بتحويله القضاء إلى محفل عالمي يحاكم ويحكم بتسويات مالية، وهذا قانون ما يسمى العدالة باسم الارهاب المعروف ب”جاستا” يخرق مبدأ السيادة والحصانة الدولية، إذ إن أي قاض أميركي فيدرالي محلي عادي يستطيع أن ينشر المحاكمة ويعاقب ويجمد أصولا على مستوى دول العالم.