IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم السبت في 08/08/2020

اليوم قامت بيروت من تحت الردم، وبعثت ثورة الثامن من آب من رحم السابع عشر من تشرين. في “يوم الحساب” تعمد الثوار بدماء من قضوا في كارثة المرفأ. رصوا صفوفهم، وبالآلاف ملأوا قلب بيروت وأعادوا النبض إلى الشارع. أقاموا المحاكم الشعبية فعلقوا المشانق للزعماء في ساحة الشهداء، ونفذوا إعدامات صورية لزعماء عمروا سني حكمهم التي تربو على ثلاثين عاما، على سجلات حافلة بالفساد وعلى سير شخصية من ورثة وأزلام ومحسوبين ومخلصي معاملات سياسية ومندوبين في صناديق الجيب والأخذ والصرف، حتى وصل بهم الأمر إلى المتاجرة بالأرواح، فكانت كارثة مرفأ بيروت بتوقيع من “كلن يعني كلن”.

ومن “أسفل” الهرم إلى أخمصه، في يوم الحشد الشعبي الساطع، حشدت السلطة أجهزة رصد للمتظاهرين لم نر مثلها في مرفأ بيروت لانتزاع فتيل أطنان النيترات المتفجرة قبل وقوع الكارثة، ولم نعاين على مدى الأيام الماضية استعدادات وتأهبا في عمليات البحث لانتشال من قضى تحت الردم أو لإنقاذ من بقي حيا يرزق، كما شاهدنا اليوم، لكن أمر اليوم صدر فاستقدمت السلطة التعزيزات الأمنية لمواجهة ناسها وسبقت المتظاهرين بساعات إلى ساحات التظاهر، وما إن لاحت طلائع غضب المحتجين حتى انهالت عليهم بالقنابل المسيلة للدموع.

لكن من ذاق رعب كارثة المرفأ وموادها السامة، ومن عايش الانفجار النووي، لم تعد تخيفه القنابل الدخانية ولا غازها المسيل للدموع، فبقيت الحشود في مطارحها، وانقسمت الجموع إلى خلايا ثورية، بعضها استقر في ساحة الشهداء، وآخرون جهدوا للوصول إلى محيط مجلس النواب، فيما اقتحم آخرون مقر وزارة الخارجية في الأشرفية، وضعوا “قبضة الثورة”، وفي البيان رقم واحد أعلنوا وزارة الخارجية مقرا رسميا للثورة. وبالتزامن كانت مجموعة أخرى قد اقتحمت مبنى وزارة الاقتصاد.

السلطة السياسية المتهالكة، تحصنت بالقوى الأمنية وبالجيش الوطني، ووضعت أبناء المؤسسة العسكرية في مواجهة الشعب، والطرفان لم تبرد دماؤهما بعد على إسفلت مرفأ بيروت.