ما بين مدينة أفلاطون الفاضلة وجمهورية الفارابي الأكثر تفضيلا، ظهر جبران باسيل ضمن سلسلة “لا.. ما غلطنا”. وبفرق دقائق عن الظهور الإشعاعي لرئيس “التيار”، كان رئيس الجمهورية ميشال عون يدون توقيعه على سلسلة “لم أعلم” المشتقة من عنابر بيروت.
وفي مقابلته الفرنسية، رأى رئيس الجمهورية أن كل الفرضيات حيال الانفجار لا تزال قائمة، وأن الجميع كانوا على علم بوجود مواد النيرات في المرفأ، محملا إياهم المسؤولية، لكنه لم يحمل شخصه المسؤولية، كرئيس للبلاد أولا، ومترئس لمجلس الدفاع الأعلى ثانيا، وكمضيف يفتح أبواب قصر بعبدا يوميا لمدير عام الجمارك بدري ضاهر ثالثا.
ذكر عون مسوؤلي المرفأ وحيد مسؤولي الجمارك. وبدا أن كل هاجسه هو بدري المقيد “بكلبشة”، والظاهرة معالمه على جدران القصر غيابيا. وبتأكيده أنه حول التقارير التي وصلته في العشرين من تموز، لم يبادر رئيس الجمهورية بعد هذا التاريخ إلى السؤال عن قنبلة موقوته أحالها إلى روتين الإدارات العفنة. ولم يسأل عما إذا كانت ستنفجر وتدمر بيروت.
وكان عون ضنينا على الفراغ الرئاسي من بعده إذا استقال. ولم يخبر المذيعة الفرنسية أن هذا الفراغ إنما تسبب به شخصيا، عندما رهنت الرئاسة سنتين ونصف السنة في انتظار وصوله إليها.
أقل من نصف ساعة من وقت الرئيس، رفع فيها المسؤوليات داخليا، لكنه تمسك بأدبيات دبلوماسية خارجيا، وبالسلام المشروط بثابتة استرجاع الأرض من إسرائيل. أما ساعة باسيل فقد تعطلت داخليا وتمايزت إقليميا ودوليا، إذ قدم مطالعة دقيقة “ولم يغلط” في ملفات النزوح السوري والموقف من إسرائيل ومفهوم السلام ومسألة الإرهاب، بما فيها من تهديم للكيان اللبناني والنظرة إلى المحكمة الدولية والتعاطي مع الشرق والغرب، قائلا: “الحرية ما بيحبوها في الخارج، بدهن زلم ونحنا مش زلم لحدا”، فمصالح الخارج الكبير لا تكفيها الصداقات، وهي بحاجة إلى شيء مطواع يغلب المصالح الخارجية على المصلحة الوطنية، “وساعتها بتصير الصداقة شي بيشبه العمالة”.
وكشف أن المطلوب منا اليوم المشاركة في الحصار الخارجي والداخلي على “حزب الله”، وعزل مكون لبناني “ما بنمشي فيه حتى لو كلفنا غالي”. وأضاف: يلوحون بفرض عقوبات “وأنا شخصيا مستعد إتحمل الثمن”، وعندما تكون القصة داخلية “منتخانق مع حزب الله لحد الفراق على مسألة بناء الدولة”، أما في الخارج فلا أحد يراهن على أن نكون عملاء.
استراتيجية باسيل الدفاعية، أحكم فيها السيطرة على ترسيم المواقف الوطنية. لكن باسيل زرع عبوات ناسفة في الملفات المحلية التي تشارك فيها السلطة خمسة عشر عاما. وجبران كما العم “بي الشعب”، مسؤولان عن بلد لا يعرفان عنه قنبلة موقوتة، يتدخلان ولا يتدخلان، وهما مع المحاسبة إلا تجاه بدري.
الإهمال معروف وموثق ويتطلب تحقيقات سريعة بالنسبة إلى رئيس “التيار”، لكن “التيار” نفسه عطل تعيين محقق عدلي عبر وزيرة العدل لأسبوع، اسم يطرح وآخر يطير، الكل يجب أن يكون تحت سقف التحقيق، لكن باسيل يفرق بين “يلي اكتشف ونبه وراسل ويلي عارف وسكت وأهمل”، كما قال. ما يعني أن جبران يقدم تمييزا حيال المتهمين، مرفقا بعبارة “نحن لا نحمي أحدا” ولا نتدخل.
تدخلتم وأشرفتم، وقبلها عطلتم تشكيلات قضائية لا تزال حتى هذه الساعة في أدراج الرئيس تحيطها فلسفة سليم جريصاتي. تدخلتم ولم تقصروا في الإعلام، كما ادعى رئيس “التيار”، لا بل إن نواب تكتل “لبنان القوي” ينتشرون يوميا على الشاشات “حبة ظهرا حبة مساء”. قصرتم في كل الملفات إلا الإعلام، “غلطتوا” بكل شيء إلا الإعلام الذي أصبح اليوم بالنسبة إليكم إعلاما مأجورا يستهدفكم، فإذا كانت خلافاتكم مع “القوات” قد بلغت مراحل اللاعودة، لا تحملوا المؤسسات الإعلامية وزر فشلكما معا، إذ أن الإعلام ينقل وجع الناس ومعاناتها وغضبها، وهذه هي المساحة الوحيدة التي بقيت للبنانيين بعدما سقطت مؤسسات الدولة.