بين الرابع من آب والعاشر من أيلول قتل الوطن مرتين الفاعل لم يعد مجهول باقي الإقامة وتعريفه، كل من في السلطة، سواء أكان شريكا في فساد معمر منذ ثلاثين عاما أم مستترا تحت غطاء الزعيم.
انفجار هز العالم ولم يستدرج أي مسؤول للاستقالة وحريق بعد الأربعين جاء بمفعول رجعي على هول الكارثة ظنا منهم أن الدخان في سماء المدينة سيمحو بصمة فعلتهم على الأرض. وفي أربعين المرفأ وقبل فك الحداد ألبست للحداد وشلمونة التلحيم وشرارات تطايرت عن إهمال وعدم تنظيم ومن كان وكيلا في السياسة عن صهره خلع ثوب الإصلاح والتغيير وصار محامي دفاع عن بدري ضاهر في جريمة المرفأ.
أصبح للجنرال من يكاتبه لكن سيد القصر تحفظ عن الجواب وامتنع عن توقيع مرسوم وضع المدير العام للجمارك بدري ضاهر في التصرف عملا بأحكام قرار اتخذه مجلس الوزراء في الحادي عشر من آب ويقضي بوضع جميع موظفي الفئة الأولى في التصرف أو بإقالتهم من مراكزهم.
وفي المستند الذي تبرزه الجديد يتبين أن رئيس الجمهورية يطالب بالمساواة في الإقالات مخضعا جريمة بهذه الخطورة لمبدأ الستة وستة مكرر وللتوزان الطائفي متعاملا مع الملف على أنه تعيينات توزاي حراس الأحراج وموظفي مجلس الخدمة المدنية الذين ينتظرون حتى اليوم على أبواب مسدودة بالطائفية.
ومن رئيس دولة تحول ميشال عون إلى باش كاتب في هيئة الدفاع عن بدري ضاهر فيرد المرسوم من حيث أتى ويعلل رده بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وبعون الرئيس صار مرسوم إعفاء المدير العام للجمارك مادة للجدل وورقة تداول في بازار رمي المسؤوليات.
والرد الأقوى على فلسفة الرئاسة الأولى كان من رئاسة مجلس الوزراء التي قالت لرئيس الجمهورية : إن ما جاء في كتابكم يعد من قبيل التعليق وهو لا يؤثر في قوته الملزمة ما يوجب تاليا التقيد بمنطوقه كما صدر وبالمعنى الاوضح : استمعنا إلى آرائكم .. ” فبلوها واشربوها مع فنجاي شاي جمهوري ” .
وفي وقت يقف الشعب على رصيف نكبته منتظرا تقديم مجرم واحد للعدالة يجهد أولياء امر السلطة في” تلحيم “أزلامهم وتبرئتهم من يوم الحساب لكن ما بين الشعب والسلطة ليس ما صنع الحداد بل ما أمر الوصي الفرنسي مع مسؤولين شابوا على الفساد وعلى تحاصص المناصب والمكاسب وهو ما تجلى في الاستماتة لوضع اليد على وزارات سيادية حولوها إلى وزارات حزبية بذريعة الميثاقية.
وما بعد اجتماع قصر الصنوبر لم يعد كما قبله وحصة البهدلة عن قرب نالت درجات عالية في امتحان التأليف بعد تكليف مصطفى أديب ففي المعلومات الواردة من دينامو الحراك الحكومي على خط باريس بيروت مكلفا من رئيس الجمهورية فإن الأمور تسير على نحو أكثر من جيد وعلى صراط المسار المستقيم بلا عرقلة ولا عقد.
وإذا ما التزم أديب المهلة الفرنسية فإن الحكومة الرشيقة ستبصر النور قريبا وسيشهد يوما السبت والأحد وضع نهاية للائحة يصعد بها الى بعبدا حيث بات التأليف في جيب الرئيس المكلف الذي لم يعر أذنا للمطالب والمطالب المضادة وأمره لم يكن شورى مع رؤساء الكتل .
والحكومة المنتظرة قبل أن تهددها الكتلة السياسية بالثقة قد نالت ثقتها بموجب تكليف شرعي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي انحنى أمامه الزعماء مع كتلهم.
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فهو خسر موهبة الساحر ولم يعد قادرا على إخراج الأرانب ورئيس الجمهورية أوفد اللواء عباس إبراهيم إلى باريس لكنه هذه المرة أخفق في أداء دور الوكيل الذي يفاوض ويعرقل لمصلحة باسيل وكل الاعتراضات من فوق الطاولة وتحتها لن تؤخر في ولادة حكومة من أصحاب الاختصاص.
حكومة بلا تطعيم حزبي ولا تلوين سياسي ولا ألغام تفجر غب الطلب حكومة وإن نالت ثقة مجلس النواب فهي والأهم أمام اختبار ثقة الناس.