IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم السبت في 19/09/2020

هو أصغر الضحايا العائدين من بحر أسود يتوسطه الموت. عاد على جناح موجة حملته من حيث غفا بين مياه إقليمية غير دافئة أوصلته إلى ساحل البترون. محمد ابن العشرين شهرا، اللبناني والصورة طبق الأصل عن إيلان السوري، نزح مع أسرته من عتمة العيش بين أغنى أغنياء طرابلس وضواحيها، باتجاه الضوء، فقضى من جوع ومن عطش لقطرة حليب استبدلته الأم بماء البحر وملحه، فعاد مكفنا، لا لذنب إلا أنه ولد في بلد أصدر فيه ساسته حكما مبرما على فقرائه: نحن من ورائكم والبحر أمامكم لهروب مميت.

منهم من اختار الموت بقفزة واحدة لأنها أرحم من الموت كل يوم. ومن لم يقض على أبواب المستشفيات وعلى أوتوسترادات خطف الأرواح أو برصاص طائش، سبقهم بانفجار أراده فساد السلطة الحاكمة أقصر الطرق إلى الأبدية.

وعلى المداورة اليومية في الموت، يتحصن أهل السلطة بميثاقية غب الطلب. يتناحرون على وزارة من هنا، وتوقيع ثالث من هناك خرقا للدستور. ومن باب التعنت السياسي دخل الملف الحكومي في مرحلة جمود، خرقتها “هوبرة” رؤساء الحكومات السابقين، وبيانات لزوم ما لا يلزم، معطوفة على “إلا” الشرطية التي استخدمها “التيار الوطني الحر” ليقول إن “التيار” يواصل دوره المسهل إلا أنه ليس مستعدا أبدا لإلغاء نفسه سياسيا.

والجمود المحلي أصيب بصعقة إنعاش فرنسية، حضت فيها المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول، كل القوى اللبنانية على الاضطلاع بمسؤولياتها والموافقة من دون تأخير على التشكيلة التي رشحها مصطفى أديب لحكومة المهمة، القادرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة للوفاء بتطلعات الشعب اللبناني. والأهم من الصعقة، الصفعة التي وجهتها المتحدثة الفرنسية إلى منسق وزارة الخارجية الأميركية لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز، الذي اتهم “حزب الله” بأنه يقيم مخابئ ويخزن مواد كيميائية ومنها نيترات الأمونيوم في فرنسا وبلجيكا واليونان وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا منذ عام 2012، وقالت المتحدثة الفرنسية: لا دليل يشير إلى أن “حزب الله” يخزن مواد كيميائية لصنع متفجرات في فرنسا، ولا شيء ملموسا يؤكد مثل هذا الزعم.

تكلمت فرنسا باسم الاتحاد الأوروبي، وردت اتهام أميركا على أعقابه من دون شراء وقت، فهل يهدي الله الحزب فلا يعرقل المساعي الفرنسية؟، هل يسهل عملية التأليف، أم يصبح من حيث لا يدري حليفا لشيطان احتل العراق على نفس ذريعة أسلحة الدمار الشامل.

المبادرة الفرنسية ومن ورائها المجتمع الدولي وحتى العربي، هي طوق النجاة الأخير الذي يرمى للبنان لانتشاله من عنق الهاوية، وسقوطها يعني سقوط العهد قبل الوطن. بين بعبدا وعين التينة وقعت القطيعة بضربة الميثاقية، والثنائي الشيعي صار معزولا عن أي موقف إسناد، بعدما فخخ رئيس مجلس النواب نبيه بري حقيبة المالية بالميثاقية، أما المداورة فالأصح أن تبدأ من فوق أي بالرئاسات الثلاث، إذ ما أراد بري تحقيق الدولة المدنية عندئذ “المي بتكذب الغطاس”.