استعادت الكورونا زمام المبادرة من الحكومة وفرنسا والميثاقيات المنشطرة. وبالمداورة اتخذ الوباء المستجد وضعية التحكم بالمناطق اللبنانية، مرتفعا عن سطح الرقم إلى ألف إصابة في اليوم الواحد، مخلفا إصابات أيضا بين الوزارات لناحية الصلاحيات وتدابير الإقفال.
وستتخذ اللجنة العلمية في وزارة الصحة توصيات غدا، تقضي بالإقفال أسبوعين. لكن تباين الرأي غالبا ما يفسد للود الوزاري قضية، إذ أعلنت وزارة الداخلية أن المجتمع اللبناني ليس “لعبة” بين الأيادي ليخضع أسبوعا للإقفال وآخر لإعادة الفتح. وهذا التباين سرت مفاعيله كذلك على سجن رومية الذي يصرخ يوميا من خطر تمدد الوباء، فيما ترمى المسؤوليات بين وزارتي صحة وداخلية، ما دفع المساجين إلى إعطاء مهل تنتهي يوم الاثنين، ومن بعدها: التمرد.
والتمرد ليس ميزة السجون وحسب، بل هو في عمق تأليف الحكومة والصلاحيات والمثالثات، وقد افتتح فروعا اليوم امتدت من قداس إيليج إلى طريق المطار وبيان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. فمع انتهاء مهلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الممنوحة للحكم اللبناني، لم تعلن باريس سحب مبادرتها وأبقت على التشاور مفتوحا، ليس في بيروت فقط، بل أصبحت تشكيلة مصطفى أديب أممية ومعلقة على حبال أميركية- أوروبية- إيرانية، فإذا صمد الإتحاد الأوروبي على مواقفه من رفض تجديد العقوبات على إيران ورفع البطاقة الحمراء للإدارة الأميركية، ستكون وجهة ماكرون هي الاتصال بالرئيس حسن روحاني.
وحتى الساعة، فإن أوروبا مستقرة على مواقفها، إذ أبلغت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، مجلس الأمن الدولي أن أي قرار أو إجراء لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران “سيكون بلا أي أثر قانوني”.
هي اللغة الأبعد من أرض لبنانية، وهي المداورة الدولية التي تنعكس على المبادرة الفرنسية، وتأليف حكومة أديب المعتقلة إلى الآن في زوايا محلية، وعلى خطوطها قرعت أجراس وأقيمت صلوات، حيث صعد البطريرك الراعي من عظة الأحد الدينية، ورفعها إلى مضمون الدستور، وسأل: “بأي صفة تطالب طائفة بوزارة معينة كأنها ملك لها، وتعطل تأليف الحكومة حتى الحصول على مبتغاها، وهي بذلك تتسبب بشلل سياسي وأضرار اقتصادية ومالية ومعيشية؟”. وهو إذ عاد إلى المادة الخامسة والتسعين من الدستور لناحية المناصفة، رمى بالسؤال الثاني: هل عدلت هذه المادة في غفلة، أم تفرض فرضا بقوة ما أو استقواء؟.
لم يمر هذا الكلام على طريق المطار، فجرى تسطير بيانين: الأول للمجلس الشيعي الأعلى، والثاني للمفتي أحمد قبلان، وكان رد على التهميش والإقصاء والعزل، لكن اللافت كان تفعيل الحديث عن الدولة المدنية، إذ رأى الشيعي الأعلى أن مطلبه إلغاء الطائفية السياسية واعتماد المواطنة كمعيار في العمل السياسي ضمن الدولة العادلة. وفي الإطار نفسه وضع قبلان الجموع اللبنانية أمام خيارين: دولة مدنية أو دولة طوائف، وقال إن الشجاع الشجاع من يمشي بخيار الدولة المدنية، لكن ما دامت الحصص على الطائفة فإننا نحكم بيننا وبينكم مبدأ “المعاملة بالمثل”، ولن نقبل بإلغاء طائفة بأمها وأبيها، بخلفية عصا أميركية وجزرة فرنسية.
وعلى أنقاض دولة طائفية، تتلمس بنيانها، ارتفعت الموسيقى هذا المساء من قصر سرسق والتي أعاد ترميمه بترنيمه بأصوات وصور ضحايا مرفأ المدينة بيروت التي لم تنسى، كانت تتذكر وترفع صلوات الغناء لكل من رحلوا، والذين علقت صورهم على شجر سرسق بعد أن سكنت القلوب.