Site icon IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم الأحد في 22/11/2020

خاضت الدولة حربا انغماسية لكشف أسرار الهروب من سجن بعبدا، تقصت، نشرت صور الفارين، اجتمع أركانها في الأمن والقضاء وكادت ترفع القضية إلى قمة مجموعة العشرين، لكن أيا من هذا الجهد لم يكن قد ظهر سابقا لمعالجة أسباب الهرب والدوافع إليه.

ومن يجري كشفا على أوضاع السجون وضمنا نظارة بعبدا، سيتضح له من أولى الزيارات أن المساجين في لبنان هم نزلاء “حظائر”، وأن لدينا “زريبة” لكل مجموعة تتكدس فوق بعضها، منهم لا ينام قبل أن تستيقظ الدفعة التي سبقته إلى النوم بالمداورة، ومع كل العهود والوزراء كانت الأحوال البائسة تزداد بؤسا، وتهمل قضايا الموقوفين من وزراء الداخلية المتعاقبين، إلى القضاة والمحافظين ووزراء العدل ونقباء المحامين.

وزير يعدهم بتسريع المحاكمات ولا يفي، وآخر يبني لهم سجونا من رمال، فيما القضاة ينهمكون عن تحديد الجلسات وبت القضايا لأن بعضهم لا يحضر، أو قرر المماطلة عن سبق إصرار وتصميم، ومن قلب حالة الإعدام التي يعيشونها يوميا قرر موقوفو سجن بعبدا تنفيذ الانقلاب حتى ولو أخذهم إلى الموت أو إعادة التوقيف، وهذه الأسباب تعطي ذرائع قانونية كافية للفرار.

نعم، يحق للمساجين الهرب ولديهم مماسك وحجج تدين من تهاون وتباطأ في بت ملفاتهم، لهؤلاء وغيرهم مشروعية الخروج المدبر، ومن وجبت محاكمته هم السلطة المولوجة حماية السجون، وكل قاض تراخى وغاب وأرجأ وتعاطى بخفة مع قضايا توزاي الحياة أو الموت، وتلك مهمة لا يليق توكيلها إلا لنقيب المحامين ملحم خلف، الحقوقي الذي خاض معركة تسريع المحاكمات وبت إخلاءات السبيل، وترافع عن بعد حاملا قضايا المظلومين.

ومن سجن بعبدا إلى سجن الحكومة في قصر بعبدا، حيث أظهرت كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في عيد الاستقلال أن التأليف يستلزم حرب تحرير، لا سيما عندما سأل عون: “ألم يحن الوقت لتحرير عملية تأليف الحكومة من التجاذبات ومن الاستقواء والتستر بالمبادرات الإنقاذية، للخروج عن القواعد والمعايير الواحدة التي يجب احترامها وتطبيقها على الجميع”.

وفتحت هذه العبارة الحرب على خطين: بيت الوسط وقصر الإليزيه الفرنسي، عبر اتهام الحريري بالاستقواء والتحصن وراء المبادرات، وذلك في مسعى رئاسي بدا أنه يهدف إلى التخلص من الرئيس المكلف عبر دفعه إلى الاعتذار، وفتح الأبواب أمام تكليف يحصل على لقاح العهد، ويسرع طريق لبنان إلى جهنم.

لكن سعد الحريري أنهى اليوم شهرا كاملا على التكليف من دون أن تظهر عوارض الرحيل أو الاعتذار، وهو حصل هذه المرة على أمصال مقوية وبات جهاز مناعته السياسية محصنا ببرتوكول البقاء، يحتفظ الحريري بالصمت، لكن من دون أن يعني ذلك استمرار العراقيل ووضع العصي أمام دواليبه الحكومية.

وتقول أوساطه ل”الجديد” إن الأسماء التي قرر توزيرها ستفاجئ الجميع، حتى الشيعية منها، لكونها لا تنتمي إلى بيئة “حزب الله” أو “حركة أمل”، إنما وافق عليها الثنائي الشيعي، لأن سيرتها الذاتية ممتازة.

وفي طرح الحريري الأخير لعون، طلب إليه اختيار وزيرين مسيحيين، إضافة إلى إسمين سبق أن اختارهما الحريري من لائحة تتألف من تسعة أسماء التي قدمها رئيس الجمهورية، كل هذه الطروح مجمدة والبديل عنها: خطاب استقلال بدا فيه رئيس الجمهورية كمرشح رئاسي وبأبعد تقييم كمعارض للمنظومة الفاسدة والتبعية والارتهان والقضاء المكبل والسياسات الكيدية والتحريض الشيطاني، وغيرها من مفردات أركان المعارضة التي أوردها عون بالأمس.

خاض الرئيس حروبا في كل اتجاه، وكاد يتخذ صفة الادعاء على الشعب لأنه أفشل عهده، وتحدث لكأنه في إطلالته الأولى من دون أن يتنبه إلى أنه صرف من عمر العهد أربع سنوات، ودشن سنته الخامسة.