الإمارات حطت في المريخ، وقطر أوفدت مسبارها الدبلوماسي إلى الأرض اللبنانية. وبين معلومات ستصدرها الإمارات من الكوكب الأحمر، فإن كوكب لبنان يستعصي على الأمل ويدور حول نفسه وحكومته وأزماته، ليعود مرتطما بثلث معطل.
ومع هذه الدوخة المحلية، لا دوحة ثانية في الأفق وقد نفى وجودها نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير خارجية دولة قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي جال اليوم على الرؤساء: ميشال عون، نبيه بري، وحسان دياب.
ومن بعبدا، أعلن الوزير القطري أن بلاده “مستعدة لتسهيل حوارات ولادة الحكومة اللبنانية”، نافيا سعيها “لنسف المبادرة الفرنسية”. وهو دعا الأطراف اللبنانية إلى “تشكيل حكومة في أسرع وقت بما يتماشى ومصلحة الشعب.
ومع استبعاد الفرضية الحكومية وإبقاء المساعدة المالية مرتبطة بتأليف الحكومة، فإن ملفا عربيا جرى استطلاع آفاقه قطريا مع الدولة اللبنانية، وهو المتعلق بالتجديد لأحمد أبو الغيط، أمينا عاما لجامعة الدول العربية. وسواء آثر لبنان مساندة الدوحة في خيارها الجزائري البديل، أو البقاء مع أبو الغيط المصري، فإن صوته لن يكون مقررا باعتبار أن الأمين العام الحالي ضمن حاصله الانتخابي.
وقبل أن تكتشف بعبدا مضمون الزيارة القطرية، سارعت الى إطلاق مسبار سياسي يرفض التنازلات، وقال بيان القصر: “إن ما يسمى ـ “تنازلات” هو في الواقع حقوق دستورية يحرص رئيس الجمهورية على المحافظة عليها، لأنها من الثوابت التي لا يجوز التخلي عنها في أي ظرف”. وذكر مكتب الإعلام بأن “استمرار البعض في ادعاء أن الرئيس عون يطالب بـ “الثلث المعطل” يدل على افتقار الحجج الموضوعية، على قاعدة “عنزة ولو طارت”.
وبين “العنزات الرئاسية” والفنعات الدستورية، يصبح الشعب اللبناني قطيعا في نظر حكامه، وترعاه مجموعات تدير الحقول بالعصا، وتقيم دستور العشيرة. يكبرون الأزمات منعا لحلها، وهي بلغت مع نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي حد الأزمة الوجودية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، كما قال اليوم بعد لقائه البطريرك الراعي.
والفرزلي الخارج من معركة تويترية بأضرار كبيرة، كان حتى الأمس يعالج مواد الدستور ويقول: “أنا مع اتفاقية الطائف، وسأدافع عنها دفاعا كاملا، لكن لا أعارض تطويرها وتصحيح الثغرات التي ظهرت في تنفيذها.
لكن الفرزلي والطاقم الحكومي كله، منذ الطائف الى اليوم، لم يطبقوا الدستور لكي يكتشفوا ثغراته، وأكثر من اشتكى من عدم تطبيق الدستور، رؤساء الحكومات السابقون منذ رفيق الحريري الى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. فصلاحيات رئيس الجمهورية انتقلت بعد الطائف الى مجلس الوزراء مجتمعا، وليس الى رئيس الوزراء. لكن نادي رؤساء الحكومات صنعوا دستورا آخر على التوالي وأخفوا مواده، وانهالوا على بنودها بحيث اندثرت ولم يطبق أي منها. واليوم قبل الحديث عن مؤتمر تأسيسي وتعديل الدستور، ماذا لو طبقتم ما لديكم أولا.
وهذا الكلام يصلح لعموم النخبة الحاكمة التي لا جرأة لديها غدا على إجراء انتخابات فرعية لعشرة نواب. ثمانية منهم استقالوا بعد جريمة الرابع من آب، واثنان وافتهم المنية وهما: ميشال المر وجان عبيد، الرجل الذي أحال الشمس من بعده الى التقاعد ولبنان ذرف لأجله “نجمة” كما نعاه اليوم الرئيس نبيه بري.
في الأبيات الأدبية، كلام يليق بفخامة الراحل ولن يأتي الى مجلس النواب من يجلس في مقام جان عبيد، لكن هل تفتح ساحة النجمة أبوابا فرعية؟. كل التقدير أن الفرعية ملغاة وأن الانتخابات المبكرة غير واردة، وليطالب أصحابها منذ اليوم بانتخابات في مواعيدها، لأنها آيلة للتمديد.