لبنان بلاد مقطعة الأوصال.. بمسؤولين يندى لهم الجبين، لا يختلفون عن شوارعهم “المقطعة الموصلة”. حالة نكران ونأي بالنفس عن الحل ورمي مسؤوليات.. فيما سيسجل التاريخ أن الجميع فاعل ومشارك في الأزمة..
ويمكن لأي مجتمع دولي أن يحاكم السلطة اللبنانية بمكوناتها كافة، بتهم ترتقي إلى جرائم حرب، لأنهم سيتسببون بإبادة شعب. وهو الشعب الذي اعتلى اليوم أيضا المذبح الكنسي وقال فيه البطريرك الراعي للمسؤولين: “إنكم بددتم ماله وآماله ورميتموه في حالة الفقر والجوع والبطالة، ولم يعد له سوى الشارع. فنزل يطالب بحقوقه، التي تستحق أن يدافع عنها، وأن توضع في رأس معايير تأليف الحكومة. وبعد، هناك من يتساءل لماذا ينفجر الشعب؟، من وراءه؟”.
“يا لطيف”… التي قالها الراعي بحسرة وعلى صوت كنسي ناقم، كان المطران الياس عودة يحذر المسؤولين من “ثورة شعب لم يبق لديه ما يخسره”، ومع قرع الأجراس الكنسية.
سياسيا.. فإن زوار الصروح ينقلون النداءات المستعجلة.. وبينها كلام النائب فريد هيكل الخازن بعد لقائه الراعي اليوم، ومناشدته رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بكل إصرار، وإلى درجة الرجاء أن يذهبا ويشكلا حكومة لإنقاذ لبنان، لكن الرجاء يذهب هباء..
رئيس الجمهورية يجلس على مقعد الثلث المعطل.. جبرانه يقيم زياحا للشروط ويطوب نفسه راهبا في تأليف الحكومات.. رئيس مجلس النواب “يحيك ويزيك” لميشال عون بدراجات نارية ترمي السلام على بعبدا، ولا تقرب من القصر.. رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بدا أعقلهم برفع البطاقة الحمراء في الملعب الحكومي.. أما الرئيس المكلف سعد الحريري “مسافر زاده الخيال”.. يتمسك بشروطه ويطير من دون أن يغط على الأرض اللبنانية الملتهبة، لمعالجة الذيول عن كثب.
ومن بين هذه المفاتيح السياسية، فإن “حزب الله” لاعب في منطقة الوسط، وينسجم في الدور غير المقرر.. لا يريد الضغط على جبران باسيل ومن خلفه ميشال عون.. ولن يبرق برسائل من الأرض نحو بعبدا. أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فبعدما ملأ تويتر وشغل الناس بحكومة “ال ما شي” التي كان يطلقها على حسان دياب.. فقد “استحلى” هذه الحكومة اليوم مقارنة بالانهيار، ودعا دياب “وفي غياب الحكومة الجديدة نتيجة حسابات خاطئة، إلى تفعيل تصريف الأعمال فوق الخلافات السياسية والسجالات السياسية”.
وفي عطلة بيانات بعبدا، كان النائب زياد أسود يسد الفراغ، ويعلن أن “رئيس الجمهورية لن يرحل”.. ويرى أن من هم في الشارع ليسوا الناس الجياع، إنما حركة حزبية منظمة تصوب على العهد. وأضاف “إن المسيحيين ليسوا لقمة سهلة”، واصفا الحريري ب- “الولد”.
وفي التقييم السياسي لكل ما سبق وكل الوجوه الفاعلة والمقررة.. فإن البلاد يحكمها أولاد وليس ولدا واحدا.. ومع فراغ المواقع من شاغيلها، فإن صوت البطريرك الراعي وحده سحب المرجعية، وتحديدا المسيحية، إلى صرحه وبات ينطق باسم الناس وقهرهم ومن دون تنصيب سياسي أصبح سيد الكنيسة.. سيدا في الجمهورية والحكومة معا.
وسلام الراعي الذي اراده لوطن ينزف .. يواكبه سلام مثلث العبارات أطلقه البابا فرنسيس اليوم من الموصل .. وخلفه صلى مسلمون ومسيحيون، تحدثوا عن معاناتهم تحت الحكم الوحشي لتنظيم الدولة الإسلامية. وبارك البابا عزمهم على النهوض من وسط الرماد. وقال لهم إن “الأخوة أقوى من قتل الإخوة”.
وسار البابا بين أطلال بيوت مهدمة وكنائس إلى ساحة كانت يوما قلبا نابضا للمدينة القديمة هناك. وجلس محاطا بأنقاض المباني وبقايا الدرجات الخرسانية والكنائس العتيقة المهدمة، وهي مبان معظمها في حالة لا تسمح بالدخول إليها لخطورتها.
وصلى البابا، الذي بدا عليه التأثر بحجم الدمار المحيط به، لكل من فقدوا أرواحهم في الموصل. قال البابا للحشد “العراق سيبقى دائما معي.. في قلبي”. واختتم حديثه بالقول باللغة العربية “سلام..سلام..سلام”.