نالت القدس وسام الخبر الموقع بالدم.. وسحبت إليها كل المواقف والمتابعات فتقدم أبناؤها مشهد الدفاع عن الأقصى.. شكلوا جبهات وعلت البسمة على الوجنات متجاوزة خطر الاعتقال والأيادي المغلولة.
كان أبناء الأرض وحدهم.. وقد أعادوا المجد لمقاومة لا يطفئ وهجها تطبيع ولا يندثر سلاحها المتدرج من الحجر إلى البالونات الحارقة، فالرصاص وتتويجا بالصاروخ وهذه المعادلة التي تقرأ لدى إسرائيل، وليس عبر تهديدها بمواقف عربية عائمة على لغة إنشائية..
وعلى جامعة عربية قررت الاجتماع بشكل طارئ لكنها من داخلها جامعة محشوة باتفاقيات التطبيع وبعلاقات إسرائيلية أميركية متينة، وبقبلات أمينها العام أحمد أبو الغيط لشقرائه الإسرائيلية تسيبي ليفني، فمتى قررت الجامعة العربية يوما؟، ومتى أحرجت إسرائيل؟، لا بل إن العدو غالبا ما يأخذ نفسا عميقا ويرفع من وتيرة اعتداءاته لدى كل بيان عربي ختامي.. لأنه يدرك أن لا عدوا سيواجهه ولا عربا سيقفون في طريق عنفه المتواصل على الفلسطينين.
وترفع إسرائيل في المقابل من تحديها على توقيت اجتماع العرب، حيث يعتزم نحو ثلاثين ألف مستوطن اقتحام الأقصى يوم الاثنين، فهل هؤلاء آتون للصلاة أم لافتعال احتكاك يشعل نيرانا لا تنطفئ في المسجد الأقصى؟. تزرع إسرائيل مستوطنيها قنبلة موقوته.. لكنها تتحسب على جبهة المحاكم من قرار يشعل القدس والضفة وغزة معا.. إذ طلب المدعي العام الإسرائيلي إلى المحكمة العليا تأجيل الجلسة بشأن حي الشيخ جراح، والتي كانت مقررة الاثنين، أسبوعين على الأقل.
والإثنين المتأهب.. لا تصريف له في البيانات العربية التي التزمت محور التنديد والاستنكار.. حتى كاد سمير جعجع يتفوق في لبنان ببيانه عن كل العرب، فهو ارتكب مبادرة استثنائية كمن يصدر بيانا من قطاع غزة، وليس من معراب، معلنا تضامن القوات مع الشعب الفلسطيني حيال ما يتعرض له من مضايقات واضطهاد وقمع وقهر ومعاناة.. داعيا الاجتماع العربي إلى اتخاذ خطوات سياسية لازمة.
وجعجع بالكوفية الفلسطينية لا يشبه رئيس حزب القوات بعباءة الحرب.. ولا هو نفسه الرجل المشارك في “بواريد السلم ” الذي يقف مثل آخرين معطلا للحلول السياسية، وباحثا عن طرق تؤدي إلى الانتخابات الرئاسية. وإذا كانت طريق القدس تمر من معراب هذه المرة.. فإن الدروب إلى التأليف يتشارك جعجع في إقفالها مع فيلق لبناني يجهز على اللبنانيين قبل السياسيين، والكل يجلس اليوم كمشاهد.. يترقب الانهيار.
أما فرنسا وبعد تسعة أشهر على المبادرة، فقد انتهى مخاضها إلى اكتشاف “الحبل الكاذب” أسقطت باريس مولودتها التي سمتها “مبادرة”.. وتركت المسؤولين اللبنانيين “بلا صلة رحم”.. ينتظرون دورهم في عقوبات “منع السفر” لكن العقوبات الحقيقية ستقع على المواطنين الذين ينتظرون بدورهم طوابير المتاجر ومحطات البنزين، ويستشعرون لحظة رفع الدعم.
ومن بين حصار عربي غربي محكم، خرق العراق اليوم كل هذه التدابير، وصوت مجلس وزرائه بالإجماع على قرار وزير الدفاع منح لبنان هبة نقدية وليس عينية، مقدارها ثلاثة مليارات وخمسمئة مليون دينار، أي ما يوازي ثلاثة ملايين دولار تقدم “شيك” مباشر إلى الجيش اللبناني، وهذه المبادرة تعزز وجه العراق الإنساني وقراره السيادي الذي لا يقف عند “همسات” سياسية، ترغب في سحب جهاز الأوكسيجن عن بلد يلفظ أنفاسه.