في خمس عشرة سنة من الحرب الأهلية لم يكن اللبنانيون على صورة هذا المشهد الذليل في الحصول على تنكة بنزين حشود دفعوها الى انتظار دورها لتصرف نهارها كله في البحث عن المادة المفقودة وبعد سقوط ضحايا على محطات الوقود. بدأ زمن التدافع والاشكالات والمرشحة للتفاقم إذا لم يجر توفير المادة اعتبارا من يوم غد، علما أن مصرف لبنان حول اليوم الاعتمادات المالية اللازمة لبواخر الطاقة لإفراغ حمولتها وتسليمها تاليا للمحطات. يحصل ذلك على مرأى سلطة وقيادات سياسية تلعب دور مراقب سويدي عن بعد وتجند طاقتها لمعارك زيادة الرصيد، مرة في بازار الاستقالة من مجلس النواب ومرات في تحريك الانتخابات المبكرة وما بين هذه وتلك تدفع باتجاه تعبئة الرصيد القضائي وآخر معارك الجلاء ما يخاض حاليا ضد المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات تحت رفع شعار “شو عملت يا غسان” بهدف سؤال عويدات عن خمسة وثلاثين ملفا في القضاء والمحرك لهذا الشعار افتراضيا وعلى أرض العدلية لم يسأل في طريقه القاضية غادة عون ماذا تفعل ملفات أودعتها في منزلها، وهي أوراق ومستندات وأجهزة وحواسيب قد تشكل خطرا على المدعية الاستئنافية في جبل لبنان ولا سيما إذا كانت فعلا تختزن بين صفحاتها تسعة مليارات دولار كما سبق وسربت المعلومات اللصيقة بها وفي مبدأ صيانة الحريات والتعبير عن الرأي فإن الأجهزة الأمنية لن يحق لها توقيف الناشطين في التيار شربل رزوق وطوني أوريان على خلفية تعليق لافتة ضد المدعي العام التمييزي. فالتوقيف حكما مدان ومستنكر لكن الأكثر استنكارا هو الاستثمار في هذه القضية لرد الصاع إلى عويدات بمفعول رجعي عن كل مرحلة كف اليد لغادة عون.
وفي اتصال أجرته الجديد مع المدعي العام التمييزي قال: “إن من رفع اللافتة ليسألني على الملفات كان عليه أن يسألني في مكتبي وليس في الهواء الطلق. أنا لن أستطيع أن أجري حوارا مع الناشطين عبر اللافتات فضلا عن أنني لا أتحدث عن ملفات أشتغل عليها”. ورأى عويدات أن “هناك حملة منظمة تخاض ضده من التيار”. وأضاف: “إذا كانوا يريدون أن أترك مركزي، فاليوم تمسكت به أكثر”.
وعن دعوة بعض الناشطين إياه الى منازلة تلفزيونية حول التحويلات المالية يجيب عويدات: “فليذهبوا الى محطات مختصة بنزعاتهم، وهم يعرفون ماذا أقصد”. ويبدو أن هذه الحرب مستمرة في اعتصام يتجمع فيه التيار هذا المساء أمام قصر العدل لكن إذا كان أنصار التيار الوطني تنتابهم اللهفة على خمسة وثلاثين ملفا عند “غسان”. فهل يصابون بالشعور القومي نفسه ويطلبون دخول بيت القاضية غادة عون الذي صار يستلزم حراسة قضائية مشددة؟ وعلى هذه المنازلات تضيع الأفق الحكومية ما خلا طرح الاستعانة بالصديق الذي قدمه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ومن نصرالله فرع “الحركة” كشف نائب البقاع ان رئيس مجلس النواب نبيه بري سيتوجه إلى تفعيل مبادرته وسيحث الفرقاء على تقريب وجهات النظر، وتابع إن بري يربط ملف تشكيل الحكومة بفترة أسبوعين نسبة الى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يسير من سيىء إلى أسوأ.
وقد رد الرئيس المكلف سعد الحريري التحية بالمثل عبر مصدر نيابي لموقع “مستقبل ويب” وقال إن الحريري لن يتأخر عن المبادرة الى مخرج يقوم على المعايير الدستورية فقط، ولكن من غير المنطقي لأي جهة أن تتغاضى عن المعايير الخطرة التي تحدث عنها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بلسان الرئيس ميشال عون في مجلس النواب.
وطيف الحكومة حضر في لقاء استثنائي بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وقائد الجيش العماد جوزاف عون، وأعطى ماكرون جرعة تذكيرية لمبادرته، وقال ان الأولوية تبقى في تأليف حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة في لبنان.