بات العثور على الدواء في الصدليات مرضا مزمنا ومشتقات حليب الأطفال داء عضالا، غسيل الكلى دخل العناية المركزة وأصبح مهددا بالتوقف، ولبنان كله موقف كبير للسيارات المنتظرة تعبئة الوقود على منصة دولار سوداء لامست خمسة عشر ألفا، فإن تمرض في لبنان وتحتمل أوجاعك، ربما أخف ضررا من تراكم الألم عندما تنقب عن الدواء المتواري عن الأنظار والمحتجب وراء الشمس في مستودعات ومخازن.
و”الغميضة” الكبرى تلاعبنا بها الشركات المستوردة للنفط حيث كشف بيان مشترك لمصرف لبنان ووزير الطاقة ريمون غجر بعد اجتماعهما اليوم عن وجود ستة وستين مليون ليتر بنزين في خزانات الشركات المستوردة ومئة وتسعة ملايين ليتر مازوت، وأن شركة مدكو استحصلت على موافقة مصرف لبنان للاعتمادات المقدمة من قبل مصرفها منذ أكثر من شهرين من أجل استيراد شحنتي محروقات بقيمة اجمالية قدرها ثمانية وعشرون مليون دولار أميركي، ولم يجر إفراغ الكميات حتى تاريخه. ولأن الوزير ريمون غجر تحلى بجرأة التسمية وبدأها بكشف المستور فإن مخزون جرأته يحتم عليه اليوم الادعاء على كل من خزن وحرم واحتكر وأخفى المحروقات وأذل الناس…
لم يعد كشف المعلومة وحده كافيا… ما لم يرفق بإجراءات ومحاكمات ميدانية تجرم الفاعلين لا بل وتسقيهم مرارة عذابات المواطنيين ليكون عقابهم حرمانهم كل مواد مشتعلة وردهم للعيش في عصر حجري أما البيانات… “فبلوها” بالبنزين واشربوا مادتها وأصبح لزاما على ما تبقى من اهتراء دولة أن تقود لو محتكرا واحدا إلى السجن في الدواء والمحروقات والمواد الغذائية… على أن يكون سجنهم “في مستودعاتهم” وبين “مخازنهم” ليتعفنوا فيها لكن السلطة السائبة سياسيا تعلم المحتكرين الحرام فجزئيات الدولة لا تزال ترفع خراطيمها عن تأليف الحكومة وتتبع الاحتكار نفسه في التمثيل وتمارس أبشع انواع الذل في الإفراج عن الحكومة وتعاند وتكابد لتبقي على الثلث المعطل وإن عبر الاحتيال وعلى ارتفاع آلاف الأميال عن التأليف عادت حروب المصادر لتندلع من جديد بعد وقف موقت لإطلاق النار فرضته مبادرة الرئيس نبيه بري لكن رئيس التيار الوطني الحر استغل الهدنة لزرع التفاوض بشريط من الألغام… وحاضر بالعفة الحكومية والمسرحية الهزلية لباسيل رد عليها بيت الوسط رافضا تأليف “حكومة في البياضة” ووصفها بالأعراف التي من المستحيل أن “يمشي” بها الرئيس المكلف وقال إن باسيل يحاول أن يخترع دورا له بعدما بات معزولا فنصب نفسه رئيسا للجمهورية وبات يتصرف على هذا الأساس, ولسخرية القدر هو “مصدق” هذه الكذبة وأدخل القصر الجمهوري مصادره في الصراع وتطوع للدفاع عن رئيس التيار “الجمهوري الحر”…
وهددت المصادر بأن رئيس الجمهورية في مرحلة تقييم الوضع بما يملك من صلاحيات صحيح أنها محدودة، لكنه يملك قدرة سياسية عبر تكتل لبنان القوي والتيار الوطني الحر الذي لن يبقى في موقع المتفرج، لاسيما بعدما بدأ الحريري يلعب على الوتر الطائفي بإشارته الى البياضة برمزيتها الجغرافية، لشد العصب الطائفي والمذهبي وكأننا عشية الاستحقاق الانتخابي ولم تتوقف حرب البيانات هنا انما اخضعت “لغسيل كلى” بين الطرفين مع رشقات نارية تنذر “بموت تأليف سريري” لكن جهتي المعركة… يغردان على ارض مغايرة وعلى غير كوكب ولم يثبت بالوجه الشرعي انهما يتحسسان الآم الناس ومعاناة انتظارها وحرقة قلوبها يتنازعان على صلاحيات… في بلد لن يبق فيه شعب يحكمونه فالرئيس سعد الحريري على شروطه الدستورية… اما حرقة قلب جبران باسيل فتكمن في عدم تأمين اجتماع منفرد له مع الرئيس المكلف لاستئناف الصفقات السياسية.