أودع الاتحاد الأوروبي كل القادة السياسيين اللبنانيين رسالة صارمة عنوانها: “أزمتكم صناعة وطنية.. فلا ترموها على الخارج والنازحين”.
أبلغ جوزيب بوريل الرؤساء والقادة هذه الرسالة، وطلب إليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم وفي طليعتها تشكيل حكومة وتطبيق الإصلاحات الضرورية فورا، وبدا مسؤول السياسية الخارجية الأوروبية في حال صدمة، متسائلا: “نحن لا نستطيع أن نفهم كيف مضت تسعة أشهر على تكليف رئيس وزراء، وأنتم من دون حكومة حتى الآن”. ووقف بوريل عند منتصف طريق العقوبات لكنه تحدت عما سماه عقوبات “مستهدفة” يدرسها مجلس الاتحاد الأوروبي، آملا ألا “نكون مضطرين الى القيام بذلك”.
وصرامة بوريل سيضعها السياسيون والقادة اللبنانيون تحت “صرامتهم” مع تعديل في العبارة. سيتسقبلون المسؤول الأوروبي ويشكو إليه كل طرف الطرف الآخر. ثم يودعونه ويستأنفون حفلات التعطيل القابلة للتمديد الى ما بعد بعد نهاية ولاية العهد.
هو المختصر الذي لم يعد مفيدا ولا تتعلم من دروسه القيادات، ومنها من طالب وزير خارجية الاتحاد بالدعم لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما أوصى به رئيس الجمهورية خلال اللقاء، محددا للمسؤول الأوروبي المواصفات التي يريدها لشكل الحكومة، وأن تكون ذات صدقية وقدرة على إجراء الإصلاحات، وتنطلق من الأصول الدستورية والأعراف والعادات المنبثقة منذ سنوات، ومستندة الى أسس الوفاق الوطني.
وبذلك يقول عون لبوريل: إن ما لدي من تشكيلة مقدمة ليست ذات صدقية، وليس لديها القدرة على إجراء الإصلاحات، لا أصول دستورية فيها ولا أعراف وهي خارجة عن عاداتنا وتقاليدنا المتبعة منذ سنوات، وليساعدنا الاتحاد الاوربي على توليفية وزارية تتضمن العادات السيئة، من ثلث معطل وحصرية تسمية الوزراء المسيحيين، شرط أن تكتلنا المسيحي الأكبر لن يمنحها الثقة. وحبذا بطريقكم أن تساعدونا على تغيير رئيسها المكلف سعد الحريري.
هي معركة إلغاء، تعيد تجربة الثمانيات لكن بامتشاق الدستور سلاحا هذه المرة. والخصم ليس سمير جعجع الذي يتخذ وضعية الحليف المشارك في التعطيل، سواء أدرك ذلك أم تجاهل التهمة. واليوم خاض رئيس “حزب القوات” حربا مباشرة على العهد، معتبرا أن “مقولة تحصيل حقوق المسيحيين هي الكذبة الجديدة التي يطالعنا بها “التيار الوطني الحر”، بعد أكاذيب التحرير وسيادة الدولة. وهذه لا تهدف الا الى تأمين المستقبل السياسي لجبران باسيل ومن معه”.
لكن من عون الى جعجع والشيطان بينهما: من كثرة دفاعكم عن حقوق المسحيين تسببتم بترحالهم وغربتهم وتهجيرهم. في العصور الذهبية للبنان كان المسيحيون (ستة على خمسة مسلمين) انخفضت النسبة الى ثلاثين في المئة في دوائر النفوس، قبل أن يزيد انخفاضها الى عشرين على لوائح الشطب، فيما تؤكد الدولية للمعلومات أنهم في سنوات قادمة مرشحون لنسبة لن تتجاوز عشرة في المئة. وهذا الحاصل يعود ريعه الى الزعماء المسيحيين وحروب الغائهم وقدرتهم على ضرب كل خصم تقوده الطريق الى بعبدا.
وانطلاقا من هذا الخطر، يتحرك البابا فرنسيس في الأول من تموز، مستدعيا قادة الطوائف المسيحية، مبديا القلق على مصير يهدد التوازن الداخلي. واستضافة البابا لزعماء الطوائف ستشكل رسالة للزعماء السياسيين الذين لا يرون من الوطن سوى مصالح ومكاسب ونفعيات.
رئيس جمهورية يسعى لضمان شيخوخة جبرانه، ورئيس تكتل الجمهورية القوية يطوف حول العالم اللبناني منقبا عن “انتخابات حتما”، وهو المتقين أن مصير الانتخابات المبكرة كحالات حتما. وبصراع الديكة السياسيين يتلزم اللبناني يومياته كالمعتاد: اصطفاف ليلا ونهارا أمام محطات البنزين، رحلة بحث وتحر عن الدواء المقطوع والمخزن، أحلام تراود السهر بصوت المولدات الذي أصبح كالنغمات، وعملا بنصحية وزير الطاقة أضيف اليوم الى اليوميات طاقة ايجابية، تقضي بالبحث عن حظائر تبيع الحمير والبغال.
وما بين هذه الآلام، فإن المواطن ينتظر خبرا سارا من التدقيق المالي للقاضية غادة عون في قصر عدل منزلها. لكن سيدة جبل لبنان نصحت اللبنانيين بالصبر، وهي الصفة الملازمة لفصيلة تبحث عنها المرحلة.