خرج الشعب شاهرا سيف قهره .. بعناوين لم تعد تحمل شعارا واحدا، لكن كلها تجتمع على رفض الذل شعب في الهاوية.. وهواة من السياسيين يتفننون في تعذيبه وإضرام النيران بجيوبه والمس بذاته الإنسانية والسلطة الممتنعة عن تقديم الحل، تجد مرتعا من الوقت لجدال سياسي من شرفات الانهيار.
فمعركة “التيار” و حركة “أمل” لم تبق جلدا على عظم .. والمصيبة أن الطرفين على حق في اتهام بعضهم بعضا ولن يشك أحد في مضمونها من تسديد اللكمات في الكذب والفساد الممتد من البواخر الى شفط الصناديق. واللافت أن حرب البيانات بدأت “بوشايات” الى الجانب الأميركي، فكتب سيزار أبي خليل بالانكليزية مخاطبا انطوني بلينكن شخصيا .. أما نائب “أمل” علي خريس، فاختار كتابة تغريدته بالعربية وترجمتها إلى الانكليزية.. وقدر الله ولطف أنها تغريدة مكتوبة وغير مسموعة بطلاقة.
وعلى طول السبت السياسي الأسود، كانت محاور “أمل” و”التيار” تتراشق بأدواتها النيابية، إلى أن صدر عصرا قرار بوقف إطلاق النار التزمه الطرفان، وعلى الأرجح فإن الحزبين خجلا من الاستمرار في خوض معركة “واترلو” على امبراطورية ممزقة، لا سيما أن جنود الطرفين أصبحوا على الأرض معلنين انضمامهم إلى جيوش البائسين.
والمعركة اليوم لم تعد تحتمل الدخلاء.. ويقودها مواطنون من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.. وقد خرجوا إلى صرخات موحدة. .يجتمعون فيها على فقدان المحروقات وانقطاع الكهرباء والاشتراك، وينضم الى المأساة اليوم وصول الدولار الى عتبة الثمانية عشر الفا، مبشرا باستمرار صعوده الى العشرين
وبعض الغاضبين ممن يصادرون صهريج مازوت لتوزيعه على الفقراء، أو يسطون على برادات وشاحنات، فإن تحركهم غدا لن يقتصر على الطرق بل سيؤدي حتما الى تهديد بيوت السياسيين واقتحامها لانتزاع اللقمة من أفواه الثعالب.
وعلى طرق السياسة الملتوية فإن حفلات الجنون العام تستمر بلا هوادة.. ويكرر معها “التيار الوطني الحر” في الاسبوع مرتين دعوته رئيس الحكومة المكلف الى الإسراع في التأليف، وحضت الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر” الرئيس الحريري على الاستجابة للمساعي المبذولة والإقدام فور عودته إلى لبنان على تأليف حكومة قادرة أن تضع حدا للتدهور الخطر المتواصل ماليا واقتصاديا.
لكن أسلوب التخابر غير الشرعي محليا، اتخذ شكل الكذب على مستويات أممية وذلك بإبلاغ باسيل الأمين العام للأمم المتحدة، أنه يشارك بشكل كامل في أفضل الحلول للخروج من المأزق ويسهل عملية التأليف، ولم تتضمن رسالة رئيس التيار الى غوتيرش، تفاصيل عن العرقلة والتعطيل وعن معاداة باسيل كل المكونات السياسية من الحريري الى بري وجعجع وجنبلاط، واستعانته مؤخرا بصديق واحد هو الامين العام ل- “حزب الله” السيد حسن نصرالله.
لكن حنكة نصرالله أفرغت نداء باسيل من مضمونه .. منحته شرعة الطلب وسقط هجوم المعارضة عليه.. غير أنها أعادته الى مربع مبادرة نبيه بري، ومن بين تدوير الزوايا السياسية كانت طائفة الموحدين الدروز تعلن وحدتها من دارة خلدة، وتتغاضى عن الخلافات الداخلية وتتوعد كل شخص يحمل السلاح في الجبل بمحاسبته وتسليمه الى القضاء فورا.