أحدثت دموع ليونيل ميسي سيولا جارفة في الملاعب، وتسببت بفيضان أغرق الكرة الساحرة، فتلك اللحظة، التي سجلت خروج ابن برشلونة من حاضنته التاريخية، قد دونها التاريخ هدفا ذهبيا ماطر الدمع، بعدما “نما” ميسي في كنف البرشا، واحدا وعشرين عاما، وأهدى ناديه ما يربو على سبعمئة هدف وست كرات ذهبية عبر العالم.
ولما كان هذا زمن البكاء على الرحيل، فإن النادي اللبناني يستعد لدموع نجيب ميقاتي بعد “البرش” السياسي الذي اعترض كرته الحكومية ووقف لها أمام “العارضة” مانعا دخول أي هدف في مرمى التأليف. ويستعد “ليونيل ميقاتي” للحظة الانفصال، لكنه لا يزال يلعب في الوقت الضائع، مراهنا على الدقائق الأخيرة قبل الخروج من الملعب من ربع النهائي.
ومهلة الأيام القليلة تعترضها عطلة رسمية غدا مع بداية رأس السنة الهجرية وأول أيام عاشوراء، على أن تستأنف الاتصالات يوم الثلاثاء. والمرجح أن تنتهي بواقعة “اللطم” تيمنا بالمناسبة الحزينة.
هجرة الرئيس المكلف من الحكومة، إذا ما وقعت، فإنها ستغير في قواعد الاشتباك السياسي، وتثبت أن العهد لم يكن مسؤولا، بحيث أطاح في سنة واحدة ثلاثة رؤساء مكلفين غير مؤلفين، مستخدما سلاح الإشارة التعطيلي، وعملا بقواعد الاشتباك المحلي حول السلاح وإطلاق الصواريخ، كان البطريرك الراعي يعيد اليوم صياغة مواقف الحياد، مضافا إليها تحميل الجيش مسؤوليات المراقبة، فدعاه إلى منع إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية “لأننا تعبنا من الحرب والدمار”، قائلا: “صحيح أن لبنان لم يوقع يوما معاهدة سلام مع إسرائيل، لكنه لا يزال يلتزم بوثيقة الهدنة الموقعة عام تسعة وأربعين وفي طور مفاوضات لترسيم الحدود البحرية، ولا نريد أن يورطنا أحد في حرب لديها ارتدادات مدمرة”.
لكن الارتدادات التي كانت مدمرة، قد ذهبت مع رياح المقاومة الرادعة، والتي رسخت معادلة توازن الرعب، حتى أصبحت إسرائيل تشتكي أمرها إلى مجلس الأمن، الذي لم تعترف به مرة واحدة، وإلى الحليف الأميركي صانع ترسانتها العسكرية. فالدمار كان سابقا بالفعل، عندما كان الأولون يرفعون شعار “قوة لبنان في ضعفه”، والذي أطلقه مؤسس “حزب الكتائب” بيار الجميل، كان لبنان ضعيفا ويتلقى الضربات والغزوات، والاحتلال يطيح سيادته وحريته واستقلاله، ويصل إلى قلب العاصمة بيروت، فنشتكي إلى مجلس الأمن حيث لا نلقى سوى الدعوات إلى ضبط النفس.
وبقوة لبنان الضعيف، عاش القرار الدولي رقم 425 أكثر من عشرين عاما من دون أن يطبق، الى أن رفع لبنان سلاحا في وجه عدوه، ومنذ 15 سنة الى اليوم، لم تجرؤ اسرائيل على إعلان مجرد نيتها القيام بحرب، ليس في لبنان وحسب، بل في أي من الدول التي ستندلع منها الصواريخ.
وتوازن رعب الحرب، وعلى مبدأ المعاملة بالمثل، حيث تتولى أميركا تسليح الجيش الإسرائيلي وتمويله بالمليارات، فيما تسند الى ايران مهام تسليح “حزب الله”، وثبت بالوجه العسكري أن إسرائيل لن تفهم إلا لغة القوة، وانها كانت في حاجة الى تغيير صورتها وتبديل شعارها، ليصبح أمام مقاومة قهرت الجيش الذي لم يكن يقهر.