بتعديل في العبارة: فإن النجيب من الإشارة يفهم، والإشارة الظاهرة من بعبدا عكست ملامح الشيطان الذي دخل في التفاصيل، فأجرى عملية توزيع جديدة من شأنها ترحيل التأليف أياما أخر، فقد اختلطت الحقائب بالطوائف، بالأسماء، وأعادت عقارب التشكيل إلى الوراء بما لا يتيح إعلان الحكومة منتصف الاسبوع كما كان مرجحا.
وبمهلة الأيام الثلاثة التي وضع سقفها الأمين العام ل”حزب الله” والى حدود نصرالله، فإن الولايات المتحدة ضخت من جهتها صهريج مازوت ضاغط لإنارة التأليف، وزارت السفيرة دورثي شيا كلا من الرئيس نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون، ورسمت موازين وخيارات. فإما الحكومة وإما الانهيار.
لكن المعنيين بالتفاوض الوزاري ومقاديره السياسية، لم يتوقفوا عند النصائح الغربية ولم يتأثروا بمهل. رشقوا اللبنانيين بجرعات أمل واهية. ثم اختلفوا على التفاصيل. فخرج الرئيس المكلف من قصر بعبدا بلا غالب ولا مغلوب، بتصريح أبيض على أسود، نسبة تشكيل الحكومة أكبر من نسبة الاعتذار. لن يتنحى لكنه لن يبقى طويلا.
ومن خلف التصريح الرمادي، كانت مصادر عديدة تؤكد أن العقد ليست في مكان واحد. فالداخلية التي رشح لها العميد مروان زين تحتاج الى ختم الموافقة من جبران باسيل. التربية بعد أن وعد بها جنبلاط آلت الى أرسلان. “المردة” الذين يشكلون غطاء مسيحيا وحيدا لحكومة ميقاتي، يسعون لرسملة هذه الخدمة الجليلة بحصة وازنة عددا ونوعية. أما عقدة وزارة المالية والمداورة والاسم المطروح، فهي ايضا على طاولة التعطيل. ليبقى أن الثلث المعطل لم تتضح مكوناته بعد، وهو الرمز الاول لعدم التأليف.
وتبعا لما ورد، فإن كل التصريحات المعسولة الصادرة عن قصر بعبدا، هي على التشكيل مجرد علقم وكلام في الهواء غير الطلق، ولا تؤشر الى وجود نيات بولادة حكومة من أساسها.
وعلى خراب حكومي واضح المعالم، كان الرئيس ميشال عون يعلن أنه لن يستقيل، وسيقوم بواجباته حتى النهاية ولن يهزه أحد، إن في موقعه أو في حرصه على مواصلة محاربة الفساد، معتبرا أن لبنان غابة سياسية تحتاج الى تنظيم. لكنه لم يصارح زواره الذين تحدث أمامهم عن ملك الغابة وعن شريعة الغاب التي سادت منذ بداية العهد الى اليوم، وعن حيوانات سياسية مفترسة أكلت أخضر الغابات وأحرقت يباسها. وأسد بعبدا يرمي الحكومة اليوم بزئير يمنع التأليف، وقد يدفع نجيب ميقاتي الى الاعتذار طوعا وهربا من مصارعة خاسرة.
ويراهن رئيس الجمهورية على ورقة أخيرة لم يحددها له مجلس النواب بعد. فقد خسر في لعب أوراق كل من حاكم مصرف لبنان عبر سحبه الى بيت الطاعة وتحميله منفردا المسؤوليات. كما أخفق عون في دفع الرئيس حسان دياب نحو عقد جلسة حكومية طارئة. فاختار اخيرا مراسلة مجلس النواب الذي “سيبل” رسالة عون ولن يشرب مياهها. ولن يوافق تاليا على تحميله مسؤوليات صرف أموال المودعين المصروفة والمتخبرة من أصلها.
سيلعب الرئيس نبيه بري مع رئيس الجمهورية ألعاب ميسر سياسية، سيقرأ الرسالة على النواب قبل أن يقرأ عليها الفاتحة إذا جازت تشريعا. وفي التقويم السياسي لكل ما يجري، أن الناس تحترق، تفجر في الرابع من آب، تتفحم في آب العام الذي يليه، فيما الحكم لا يريد أن يدير حتى الفوضى، ويتعامل مع اللبنانيين كخزان آيل للانفجار في أي لحظة. ومن أدار حرب إلغاء قبل عقود ضد طرف سياسي، يدير اليوم حرب إلغاء شاملة ضد كل الشعب العظيم، ضمانا لمستقبل ولي العهد.