لم يتجاوز أنطونيو غوتيريش الخط الأزرق في السياسة والاقتصاد وأزمات النزوح.. ووضع في أول خطاباته من قصر بعبدا، الحجر الأساس لزيارة تستمر ثلاثة أيام، لكنها تبقي على قواعد الاشتباك ضمن قوات الطوارئ السياسية اللبنانية.
فالأمين العام للأمم المتحدة الذي يشاركنا التضامن لثلاثة أيام.. تأكد بنفسه لدى وصوله أن لبنان يواجه لحظات صعبة جدا، مثنيا على الشعب العظيم وطالبا إلى الزعماء أن يستحقوا شعبهم، وحث سياسيي البلاد على العمل معا لحل الأزمة.. مشددا على أن الانتخابات النيابية العام المقبل ستكون المفتاح، وعلى اللبنانيين أن ينخرطوا بقوة في عملية اختيار كيفية تقدم البلد.
ونظريا أكد رئيس الجمهورية ميشال عون للمسؤول الأممي الأول، أننا “سنشهد انتخابات نيابية في الربيع المقبل ستوفر لها كل الأسباب كي تكون شفافة ونزيهة”، وهو أبلغ غوتيريش أن لبنان متمسك بحقوقه الكاملة في استثمار ثرواته الطبيعية، لاسيما منها في حقلي الغاز والنفط.. والاستعداد الدائم لمتابعة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
ومن الطرفين.. كان كلام في هواء لبنان الطلق من دون الدخول في جوهر القضايا التي يختص بها الأمين العام للأمم المتحدة.. إذ إن تمسك عون بثروة لبنان البحرية لم يرفقها رئيس الجمهورية بمد يده إلى جارور المراسيم في بعبدا، ليسحب منه المرسوم رقم 6433 لوضعه بين يدي الأمم المتحدة.. على الأقل لإجراء عملية ربط نزاع تجمد الأعمال الإسرائيلية في المنطقة المتنازع عليها.
لا شيء عن الحدود ومرسومها.. ولا حلول في قضايا النازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين، ما خلا إشادة الأمين العام بكرم وسخاء وضيافة لبنان، وإعلانه أنه ما من أحد أظهر سخاء كالشعب اللبناني خلال استقباله اللاجئين، وهي عبارات لا تصرف في الأسواق الدولية ولن يتم تسييلها إلا في ميادين الدلعونا عالروزانا، ولن تتمكن الأمم المتحدة من المعاينة الميدانية لحالات النازحين السوريين في مخيماتهم إلا عبر دراسات مدفوعة لا تعكس الوضع المأساوي على الطرفين: لبنان المستضيف والنازح المتجلد غدا في صقيع البلد المكسور وليس على جدول أعمال الأمم خطط لإعادة السوريين الى مناطقهم الامنة وبالتنسيق مع دولتهم.. لكون الامم المتحدة واقعة في أسر الولايات المتحدة، أما لبنان فوحده يدفع الثمن.. من خزينة اصبحت فارغة.
وعلى الزيارة الدولية الأرفع وخطها السماوي الأزرق.. فإن إسرائيل وأثناء الجولة قد تعيد غوتيريش بخرقها سماء لبنان وسيادته كعادتها بين اليوم والاخر.. من دون اعتراض على لفها ودورانها المتكرر، وإذا كانت زيارة الأمين العام ستكتفي بإبداء القلق مع حبوب تضامن وتشجيع على الهجمة الى الانتخابات.. فإن كل المرحلة المقبلة هي بالنسبة الى اللبنانيين مبهمة وغير واضحة المعالم.. وعلى الارجح فإنها ستخضع لمزيد من شد الحبال السياسي قبل ان تنقشع الرؤيا.
وما أفرزته الحروب العبثية الوهمية بين السياسيين، وتحديدا على محور “كازينو” التيار وأمل.. ليس سوى ألعاب على طاولة الربح والخسارة والطرفان نبيه بري وجبران باسيل يراهنان على “ميسر” التعيينات، والتي ستكون الأكبر في تاريخ الجمهورية، وقد تملأ الفراغ القادم إلينا. ومكمن الخلاف أن باسيل يريد الاستئثار بالتعيينات لكل المسيحيين، فيما يترك لبري وكل الطقم السياسي المتبقي النصف الثاني من الكوب الملان بالتعيين بري حيال ذلك.. يعرقل مساعي باسيل.. ويقف على خاطره الرئيس نجيب ميقاتي.. ليتفق الجميع على استبعاد انعقاد أي جلسة لمجلس الوزراء من اليوم حتى اخر العهد.