حقنت الحدود الاوكرانية بأبر الحروب، لكن الجمهورية المتنازع على سيادتها حصلت على مسكنات وفرتها شبكة لا سلكية من الاتصالات العابرة للاحتقان، فاشتغلت خطوط الهواتف عبر القارات وآخرها اتصال بين الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتن، وقبلها بين القيصر الروسي والرئيس الفرنسي وبينهما “هواتف على مستوى وزراء الخارجية ورؤساء الاركان، وسفن وغواصات ومدرعات تسترق السمع الى قرع أجراس المعركة وتستعرض في المحيط.
وعلى هذا المشهد، باتت كييف عاصمة القلق ولم تبق دولة في العالم إلا وطلبت من رعاياها إما المغادرة او اتخاذ تدابير الحذر. وحدها الجالية اللبنانية وقعت بين خيارين: الصمود في الحرب إن وقعت او الفرار الى جمهورية جهنم العظمى.
ستتحمل الجالية بعضها بعضا في اوكرانيا والتي تضم العديد من الطلاب اللبنانيين، في وقت قررت مجموعة ثائرة أن تتحمل أوضاع رئيس الحكومة الصعبة، وتفترش معه السكن في بلاتينوم. لكن الرئيس نجيب ميقاتي كان في هذا الوقت يتحمل مشقة السفر الى الاردن في زيارة عائلية.
وفور عودة ميقاتي من عمان سيستقبل الخليلن لتقديم رسالة احتجاج على تهريبة جلسة الموازنة، وقد وزع الثنائي الشيعي وزراءه اليوم بهدف شرح الالتباس تحت ذريعة “لم نكن نعلم”، لا بالتعيينات ولا بإقرار الموازنة. والابراء المستحيل من المعرفة سوف يعكس نفسه على جلسة الثلاثاء الوزارية، وما إذا كانت ستشهد على تعيين شيعي يعيد “العقل الى أصحابه” أم أن الجلسة ستفتح النار على الموازنة، لتمتد الى جلسات مجلس النواب لاحقا.
وإذا كان أحدا لا يبرأ الثنائي الرئاسي عون وميقاتي من التهريب، فإن الثنائي الشيعي بدوره لم يكن مقنعا للرأي العام في معارضته موازنة أعدها وزير صنع في عين التينة.
وفيما الثنائي ينفي بعضه بعضا فإن وزير العدل المصنوع في بيوت برتقالية يرد على قاضية العهد غادة عون، ويعلن أنها لم تلتزم أصول التخاطب والمراسلة الجوهرية وذلك ردا على اتهامات وزير العدل بعرقلة التحقيق القضائي، لناحية رده طلب مساعدة قضائية دولية تتعلق بملف شبكة مكتف المالية، ورفضه تحويل الطلب الموجه الى سويسرا والمرسل من قبل عون.
وربطا بالمراسلات السياسية المالية القضائية بين رئيس الحكومة ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، فقد نفت مصادر “الجديد” أن يكون الطرفان قد اتفقا على آلية لإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وأكدت مصادر رئاسة الحكومة أن ميقاتي على موقفه المعلن حيث لا تبديل ولا تجميد عمل او إقالة، لا سيما مع استمرار مفاوضات صندوق النقد التي تستلزم ثباتا في المواقع الحساسة.
وإذا كانت كل هذه الملفات تحتمل الإخذ والعطاء، النفي والرد، المعلومة ونقيضها، فإن المياه اللبنانية كذبت الغطاس الرئاسي وصانع ترسيم الحدود وضع حدا للرئيس ميشال عون وتخليه عن الخط 29.
وردا على حديث عون للزميل نقولا ناصيف في “الأخبار” عن أن خط ترسيمنا هو النقطة 23. خرج رئيس الوفد العسكري التقني المفاوض العميد الطيار بسام ياسين ببيان مرسم بالتواريخ والادلة يخلص فيه الى أن رئيس الجمهورية سلم تقريرا مفصلا تم إعداده بدقة، وتوقيعه من قبل أعضاء الوفد المفاوض يتضمن مراحل المفاوضات منذ انطلاقتها وحتى تاريخه، واستراتيجية متكاملة للمرحلة المقبلة، بما يضمن مصلحة لبنان العليا في المحافظة على حقوقه في ثرواته في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
وتم الإعلان من قبل رئاسة الجمهورية ببيان عن تسلمه لهذا التقرير، كما تم تسليمه أيضا تقريرا آخر يبين أحقية وقانونية الخط 29، على ضوء صدور قرار محكمة العدل الدولية في شأن النزاع الحدودي البحري بين كينيا والصومال، والذي بدوره يدعم ويؤكد الحجج القانونية لتبني الخط 29.
والعميد الطيار طير كل الادعاءات الرئاسية عن الخط 29، والمرسوم الواجب تعديله وعن مراحل التفاوض التي كان شاهدا عليها. وهذه الشهادة البحرية المرقطة تعطي دليلا إضافيا عن صفقة ثلاثية أبرمها الرؤساء ميشال عون ونبيه وبري ونجيب ميقاتي مع الموفد الأميركي، لكن سرهم ظل في بئر نفطي لم يكشف بعد.