بيروت عاصمةً للقُمامة.. وكلُ ديكٍ سياسي على “مزبلتها” صيّاح. فمعَ نهايةِ موسِم “أهلا بهالطلة”، “طلعت ريحتنا” وانتَشرت جبالُ النُفايات على كَتِفِ البحر وجوانبِ الطرقات لتُودِّعَ الزوارَ والمصطافين وتَحصُلَ على الإقامةِ الموقّتة بين ربوعِ اللبنانيين إلى حينِ بلوغِ الحلِّ المُعفّن والموقّت أيضاً. هي حكايةُ بيروت معَ دولةٍ من العوادم على مستوى المسؤولية والتي لا تَفرُزُ حلولاً دائمة.. وقد بدأت أزْمتُها بمصرعِ طِفلٍ في مَطمر برج حمود حيث توجد هناك أعدادٌ كبيرة من النكاشين والقدرُ وَضَعَ قضاءَ غادة عون في المواجهة.. حيث أَوقفتْ سائقَ الشاحنة والمقاول ورأت استنسابياً عدمَ اتخاذِ قرارٍ بمنعِ النكاشين من الدخول وتعريضِ حياتِهم للخطر.. لذلك قرّرَ العاملون على الجرافات إقفالَ المطمر وعُلِمَ أن القاضية عون سوفَ تُنفِّذُ غارةً على مكانِ الحادثِ غداً من دونِ معرفةِ ماهيةِ المضبوطاتِ والمغانم. وتشعّبتِ الأزْمة…. ولم تعُدْ على مستوى قضائيٍ وحسْب.. حيث شركة رامكو أَوقفتِ الكنْسَ والجمْع.. والمحافظ يُراسِلُ رئيسَ البلدية.. والبلدية تتابعُ معَ القضاء فيما تُعقد اجتماعاتٌ مفتوحة على المستوى البلدي غداً لإيجادِ مَخرجٍ أو مَطمرٍ بديل وإذ بهذا الإجراء يحتاجُ إلى قرارٍ حكومي يَسمحُ باستعمالِ مَكبّ الكرنتينا الذي أصبحَ في عُهدةِ مجلسِ الإنماء والإعمار.. “والأعمار الحكومية بيدِ الله”، وعلى هذا التدوير في أزْمةٍ من عُمر حكوماتٍ متعاقبة.. عَبَقَتِ النُفايات بين الأزقّة ودَخلتِ الحشرات المنازل.. في انتظارِ أن تَستكمِلَ القاضية عون معركتَها معَ النكاشين لكنَ الأخطرَ منهم والأكثرَ روائحَ “نَتِنة” هم على قُمامةِ المسؤولية في مَكبِّ الحُكم.. ومنهم مَن لا يَعترف بأنّ له رائحةً كريهة سياسياً وإدارياً ويترأّسون بلاداً على طريقة “النكاشين”..
يُقفلون أبوابَ تشكيلِ الحكومة كما إقفال مَطمر ويتبادلونَ الاتهامات من فوقِ تلال “الزبالة” التي تَسبّبوا بارتفاعِها في دولةٍ حوّلوها إلى مستوعبات ولم يكُن ذلكَ بقُدرة حكّامٍ متروكين.. بل لكلِ مسؤولٍ مَرجِعيةٌ تَحميه وتَرفعُ فوقَه ستائرَ وحَصاناتٍ طائفية فهذه الرابطةُ المارونية تُشهِرُ ولاءَها للرئيس.. وبالأمس أعطى المجلسُ الشرعي الإسلامي الأعلى رئيسَ الحكومة صَلاتَه وزكاتَه.. أما المجلسُ الإسلامي الشيعي الأعلى فلا يُعلى عليه في تحصينِ رئاسةِ مجلسِ النواب.. وهذا كلُّهُ تحتَ بندِ مطالبةِ جميعِ الرؤساء بالدولةِ المدنية هي دولة “مِهريّة”، لا تسمية أخرى تَليقُ بمسؤوليها.. حيث العجزُ عن تشكيلِ الحكومة أصبحَ فعلاً فاضحاً وجريمةً متعمَّدة.. والطرفان يَلعبان على حبالِ الوقت للوصول إلى طرف أيلول.. عندَها يبدأُ النزاعُ الرئاسي المؤسّس لجُمهوريةِ الفراغ.. وعلى هذا الواقع فإنّ جميعَ المسؤولين يستحقّون دخول “مزبلة التاريخ”.