الكلام للعاصفة، والتأليف ذهب مع الريح. لا كبير فوق “نورما” التي انحنى أمامها الجميع، مدنا وشعوبا، حيث تواصل تقدمها وتفرض سلطانها على المناطق، رافعة الرايات البيض على علو ألف متر، ونزولا إلى ستمئة متر والطقس العاصف الممتد حتى الأربعاء ترك تأثيره على المدن وحاصر مواطنين داخل سياراتهم، من زحلة إلى فاريا وكفرذبيان وميروبا، فيما نصحت قوى الأمن بعدم سلوك الطرقات الجبلية إلا عند الضرورة.
وإذا كان لبنان قد تأثر ساحلا وجبلا بالمنخفض الجوي، فإن تأليف الحكومة وحده ظل من دون أي تأثر، لكونه واقعا في منطقة جليدية مجمدة من أساسه، فلا خوف على محاصرته وتعرضه لأي أضرار لأن حرارته تحت الصفر.
ولعل أبلغ تعبير هو ما وعظ به البطريرك الراعي اليوم عندما قال: إننا نعيش مشهد جثة وطن يتناتشها المنقضون عليها ويسمونها وحدة وطنية. وأضاف: نحن لا نرى مخرجا من هذا النفق إلا بحكومة مصغرة من اختصاصيين. ولجوء الراعي إلى استخدام وصف “الجثة” والتناتش والانقضاض، إنما للدلالة على وصف ينطبق على الحيوانات والوحوش الكاسرة.
وإذا كان الراعي قد استعان بترميز “كليلة ودمنة”، فإن الحكم من الجثة يفهم، وبهجوم كاسر على الرئيس سعد الحريري كان “حزب الله” يحصر عاصفة التعطيل بالرئيس المكلف، ويعطيه مهلا عليه الاستفادة منها لأن عروض اليوم قد تنفد غدا.
وقال النائب حسن فضل الله إن الاقتراحات التي بين يدي الرئيس المكلف اليوم هي أفضل له مما يمكن أن يأتيه بعد شهر أو شهرين، لأنه بعد هذه المدة يمكن أن يغير البعض رأيه. ورأى فضل الله أن المشكلة الحقيقية في تأخير تأليف الحكومة تكمن في عدم اعتراف الرئيس المكلف بالآخر، ألا هو “اللقاء التشاوري”، لكن نائب “حزب الله” بانقضاضه على الحريري وتحميله مسؤولية التأليف حصرا، إنما خفف الحمل عن اتهام الوزير جبران باسيل، وكأنما أراد القول إن المشكلة ليست بين الحزب والتيار وليست خارجية بالتالي، بل عنوانها عدم اعتراف الرئيس المكلف بسنة سواه.
تحييد باسيل تدعمه أيضا نغمات جديدة نزلت وستنزل إلى الأسواق، وتدعي أن أزمة التأليف سببها كتل هوائية قادمة من الخارج، وهذا ما بدأ بترويجه حتى نواب من داخل التيار، بينهم النائب ماريو عون اليوم في حديثه إلى “الجديد”، فيما عادت أنتينات الزعيم وليد جنبلاط لتقرأ معطيات مغايرة كحديثه الأخير عن حملة مبرمجة من أبواق النظام السوري لتعطيل تأليف الحكومة. ومتى جرى تثبيت القناعة أن التعطيل هو خارجي، سوريا كان أم إيرانيا أم سعوديا، فهذا يعني براءة جبران باسيل من إراقة دم التأليف.