غضب الطبيعة لم يأت وحده، بل وصل مصحوبا بعواصف رعدية سياسية، وبكتل هوائية مالية، ورفرف من فوقها علم حركة “أمل” متصدرا أسبوع القمة الاقتصادية. فمع وصول العاصفة “ميريام”، تسابقت الزوابع في المال والسياسة. بعضها جرت محاصرته، وبعضها الآخر لا يزال مؤهلا لهبوب أعاصير.
وفي الجزء الذي جرى استدراكه، انعقد في قصر بعبدا اجتماع مالي على مستوى قمة، ضم الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزيري المال علي حسن خليل والاقتصاد رائد خوري، مع الاستعانة بالخبرة المالية للنائب ابراهيم كنعان. وانتهى الاجتماع إلى جدولة ديون التصريحات المتهورة التي أدلى بها وزير المال وانتشر صيتها في الأسواق العالمية.
وتمكن لقاء بعبدا المالي من تحديد الخسائر، وضبط الإنفاق الكلامي لعلي حسن خليل وترشيده. وتجنبا لارتكاب وزير المال مزيدا من الهفوات، فقد حرص المجتمعون على كتابة بضعة أسطر محددة تلاها حسن خليل حرفيا، ومفادها أن إعادة هيكلة الدين العام غير مطروحة.
وإلى هنا فقد اقتصرت الخسائر على “الماديات”، بحيث سارعت فرق الإنقاذ إلى جرف الثلوج التي راكمها تصريح تائه. قرأ وزير المال بيانه المكتوب، قبل أن يتم سحبه من يديه بواسطة الرئيس سعد الحريري، تداركا لأي جواب على سؤال صحافي يتوه الأسواق مجددا.
وبعبدا التي عالجت مع وزير بري ملف المال، فإنها تشتبك معه في الملف السياسي بلوغا نحو القمة. وفيما أعلن الوزير جبران باسيل عدم الاعتراف سوى ب6 شباط واحد وهو تفاهم مار مخايل، فإن فيلق النائب علي خريس تصدى في الرد قائلا: إن الوزير باسيل حتما لا يعرف 6 شباط 1984، هذا التاريخ الذي نقل لبنان إلى عصر المقاومة والتحرير.
وأبعد من الكلام، كان الفعل بنزع أفواج “أمل” علم ليبيا وتثبيت علم الحركة مكانه، مع إعلان نواب من “أمل” أن التصعيد لا سقف له.
جرى ذلك على توقيت تفتيت دقيق لرئيس مجلس النواب مرة جديدة، حيث خرجت البحصة بسلام من مرارة بري، لتنضم إلى انتفاضة 6 شباط، ويتعافى الرئيس بري ليدخل المعركة بكامل قواه إسقاطا لدخول ليبيا الأراضي اللبنانية، في وقت بدأت طرابلس الغرب تدرس إلغاء المشاركة في قمة بيروت.
وعلى قمة خطر الشارع، والأخطار المالية التي استوعبها رئيس الجمهورية اليوم، ماذا ينتظر العماد ميشال عون لتفتيت البحصة الحكومية؟، فالاجتماع الذي حضره أركان الدولة ماليا واقتصاديا اليوم، هو من صلاحيات مجلس الوزراء مجتمعا، وبتعطيل الوصول إلى حكومة قد لا ينفع “الترقيع” في المرات المقبلة، إذ إن الخضة المالية كانت تستوجب انعقاد مجلس الوزراء حكما، فإذا كانت هذه الكارثة لم تحفز الرئيسين عون والحريري على الإسراع في التأليف، فما الذي سيدفعهما إلى الاقتناع؟.
كان من الممكن أن يطير البلد بضربة مالية طائشة، ومع ذلك فقد ارتأى المعنيون حل الأزمة “حبيا”، مع الإبقاء على شروط المؤلفين سياسيا. ولم تهز الأزمة الناشئة ضمير أي من المكونات، وهم على استعداد لأن يخسروا بلدا ولا يخسروا وزيرا واحدا، فالدين مسموح ورزق التأليف “ع الله”.